
كتب د. صادق كاظم: يواجه العراق خلال هذا الصيف أزمة مائية شديدة، والسبب أن المتوقع من كميات المياه، التي كانت ستصل إلينا خلال موسم ذوبان الثلوج عند المنابع لنهري دجلة والفرات في تركيا، كانت قليلة وشحيحة.
أضف إلى ذلك أن الأتراك الذين يتحكمون بمنابع النهرين، قد شيدوا من السدود العملاقة والضخمة ما قلل من حصتنا المائية بنسبة كبيرة، والتي كانت من المفترض أن تصل إلينا خلال هذه الأيام، مما أدى إلى تدني الرصيد المائي إلى أدنى مستوياته، بل يمكن القول إن الأزمة الحالية هي الأولى والأشد منذ 80 عاماً.
المشكلة الأساسية تكمن في أن منابع نهري دجلة والفرات، تقع في داخل العمق التركي، والنهران يقطعان مسافة كبيرة قبل أن يصلا إلى العراق، مما يزيد من نسبة الفاقد منها، فضلاً عن ذلك فإن أنقرة تعتبر أن كلا من دجلة والفرات من الأنهار الداخلية، التي يحق لها أن تقيم عليهما السدود والمشاريع الإروائية الضخمة وتحتجز لنفسها كميات ضخمة منهما، من دون أن تأخذ بنظر الاعتبار تأثير ذلك على العراق، يضاف إلى ذلك أننا من البلدان الأكثر تأثراً وتضرراً بأزمات المناخ الجافة ونحتل المركز الخامس عالمياً.
تكرار الأزمة عند كل صيف والاعتماد على غزارة موسم الأمطار وحدها لتامين احتياجنا المائي، من دون العثور على بدائل وحلول أخرى أمر ليس صائباً، إذ أن الأوضاع قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه قبل عقود طويلة عندما كان هم العراقيين كيفية منع فيضان الأنهر وغرق المدن، عندما كان موسم الأمطار وفيراً جداً، والسدود التركية العملاقة غير موجودة وأزمة المناخ ليست بذلك التأثير الذي هي عليه اليوم.
المشكلة الكبيرة التي تواجه تدفق المياه عندنا تتحدد بنسبة التبخر العالية والمرتفعة التي تتعرض لها المياه المخزونة في السدود والبحيرات الخزنية، نظراً لارتفاع حرارة الجو وسخونته، وهي تؤثر وتسهم في خفض نسبة المياه إلى حد كبير.
أضف إلى ذلك الكميات الكبيرة من المياه المستعملة في الزراعة التي تعتمد على طرق الري السيحي التقليدية، فضلاً عن مشاريع تربية الأسماك التي تحتاج إلى مساحات مائية واسعة، مع وجود الأهوار في مناطق الجنوب، التي تحتاج سنوياً إلى كميات ضخمة من أجل ملئها بالمياه للمحافظة على الحياة فيها، خصوصاً بعد إدراجها ضمن قائمة المحميات الطبيعية التراثية النادرة في العالم.
هذا الوضع الشائك والمعقد بات يتطلب اتخاذ إجراءات عملية لمواجهته مع احتمالية استمرارها لفترة طويلة قادمة، أهمها ضرورة تغيير طريقة الري المعتادة والمتوارثة منذ القدم، باعتماد الطرق الحديثة التي تقوم على استخدام أنظمة الري بالتنقيط والري بالمرشات بمختلف أنواعها والتي أثبتت فعاليتها ونجاحها في مثل هذه الظروف، فضلاً عن إقامة مشاريع خاصة لمحطات تحلية مياه البحر واستخدامها لأغراض الشرب وسقي وري المحاصيل، مع التوجه نحو إيجاد محاصيل حقلية تمتاز بقدرتها العالية على تحمل ظروف الملوحة والجفاف، بما يتلاءم مع ظروف المناخ القاسية.
كما يمكن إقامة مشاريع خاصة لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها لغرض الاستفادة منها في عملية الري، بدلاً من إهدارها بكميات كبيرة في الأنهر والمواقع الخاصة بذلك.
التجارب أثبتت أيضاً الحاجة الماسة لإقامة سدود حصاد المياه، خصوصاً وأن هناك كميات كبيرة من مياه السيول تتدفق عبر الحدود الإيرانية إلى داخل العراق تستدعي الحاجة إلى إعادة تجميعها، من خلال خزانات خاصة بذلك، ومن ثم إعادة توجيها صوب البحيرات والخزانات للاستفادة منها وقت الحاجة، والأهم من ذلك ضرورة إعادة تبطين قنوات الري بدلاً من تصميمها السابق الذي يعتمد على كونها قنوات مفتوحة تتسبب بإهدار المياه، نتيجة لعمليات التبخر.
والأمر الأهم كذلك يتطلب إيجاد معالجات قانونية ودولية ودبلوماسية، وتنظيم اتفاقيات ثنائية جديدة مع كلا من تركيا وإيران لحل المشكلات والخلافات القائمة بخصوص حصة العراق من المياه القادمة من أراضي البلدين، وضمان وصولها إلى العراق بالكميات المتفق عليها وفق هذه الاتفاقيات.
إننا مقبلون على فجوة مائية متسارعة قد تصل إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035، في حين أننا لا نمتلك حالياً سوى 10 مليارات متر مكعب من المياه، بينما يفترض أن يكون هناك 18 مليار متر مكعب في بداية الموسم الصيفي من كل عام.
دخول البلاد مرحلة الجفاف المزمن والمتكرر لها تداعيات سلبية على الزراعة وفروعها، إذ إنه سيقلل من نسبة الأراضي الصالحة للزراعة، وسيزيد من التصحر وتراجع معدلات النمو الاقتصادي.
كما وسيعرض الأمن والاستقرار الاجتماعي إلى الخطر، مع تزايد نقصان سكان الريف والأيدي العاملة فيه واضطرارهم إلى الهجرة، بعيداً عن قراهم ومناطقهم نتيجة لذلك، مما يفرض الإسراع بالتحرك لمواجهة هذه الأزمة، وكما قال الصينيون من قبل بحكمتهم المعروفة (بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة)، وهناك ألف شمعة تنتظر أن نشعلها من أجل حل هذه الأزمة الخطيرة.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز