مقالات
أخر الأخبار

من الملاجئ تبدأ الهزيمة: إيران تُعيد رسم قواعد الشرق الأوسط

بقلم الكاتب: نهاد الزركاني

حين يُجبر العدو على مراجعة حساباته… فاعلم أن المعادلة قد انقلبت

 

-مدخل: فلسفة القوة بين المطرقة والصبر

القوة في السياسة ليست مجرد سلاحٍ يُستخدم، بل هي لغة تُفهم، ورسالة تُرسل، وتوازن يُفرض.

الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن خلفهما حلفاء كُثُر، اعتادوا منذ قرن على هندسة الإقليم كما يشاؤون، مستخدمين:

القوة الناعمة (الإعلام، الاقتصاد، المنظمات)،

والقوة الصلبة (الانقلابات، التدخلات، الجيوش).

لكن ما يحدث اليوم هو لحظة انكشاف لاستراتيجية تاريخية طالما بدت محكمة:

فكل أدوات التفوق لم تُسقط إيران، بل خرجت الأخيرة من الحصار وقد بنت حولها جدران ردع باهظة الكلفة على من يحاول تجاوزها.

-اللحظة الإيرانية: تفكيك هندسة الردع الغربي

لأول مرة منذ نشوء الكيان الصهيوني:

يتراجع العدو عن المبادرة،

ويختبئ الداخل الإسرائيلي،

وتُضرب مراكز القيادة،

وتتعطل شبكات الاتصالات،

وتُستنزف ثقة الناس بالجيش.

الضربات الإيرانية لم تكن عبثية، بل عمليات دقيقة استهدفت العمق الإسرائيلي بأكثر من 500 صاروخ ومسيّرة، طالت منشآت عسكرية وأمنية وبنى تحتية، ودَفعت مئات الآلاف إلى الملاجئ.

إيران لم تردّ فقط، بل كشفت وأحبطت وحددت مسار الحرب:

كشفت أكبر عملية اختراق أمني خلال عقدين، حيّدت آلاف العملاء،

صادرت آلاف المسيّرات الجاهزة لضرب الداخل،

وأدركت أن لا حرب شاملة قبل اكتمال الدفاعات وتحصين الداخل.

-لماذا ترفض إيران وقف الحرب؟

لأنها ببساطة لم تبدأها.

ولأن أهداف العدو فشلت واحدة تلو الأخرى:

لا تم تدمير البرنامج النووي،

لا تم تعطيل التخصيب،

لا تم الحد من برنامجها الصاروخي،

ولا تم إسقاط النظام.

بل على العكس، خرج النظام الإيراني أكثر صلابة أمنياً، وأشد وعياً بما يُدار ضده من الداخل والخارج.

وحين تسقط الأهداف التي شُنّت من أجلها الحرب، تكون الجهة التي بدأت الحرب قد هُزمت سياسياً واستراتيجياً.

وهذا ما حدث بالفعل:

إسرائيل شنت الحرب لتحقيق شروطها، لكنها خرجت بخيبة استراتيجية.

في المقابل، خرجت إيران وقد فرضت شروطها، وغيّرت قواعد اللعبة.

-إيران تنتصر… لا لنفسها فقط، بل على مشروع الشرق الأوسط الجديد ،هذا النصر لا يخص إيران وحدها، بل يتجاوزها ليُشكّل صفعة استراتيجية لمشروع “الشرق الأوسط الجديد”، ذلك المشروع الذي سعى إلى:

تفكيك الهويات،

تقسيم الدول،

تحويل شعوب المنطقة إلى أدوات وظيفية تخدم أمن الكيان الصهيوني ومصالح الغرب.

لقد مزّقت إيران خرائط ذلك المشروع، وأسقطت وهم الحتمية الغربية، وأعادت الاعتبار لفكرة المقاومة لا بوصفها رد فعل، بل مشروعاً استراتيجياً متماسكاً، إن من يَنتصر بشروطه، ويَخرج من تحت الحصار أكثر قوة، هو من يُعيد رسم الجغرافيا، لا من يُصفّق لها.

-العراق والبعد المغيّب في الصراع

وسط هذه التحولات الكبرى، يبدو العراق هشاً من الداخل… لكنه جوهري من حيث التاريخ والموقع.

العراق لم تُوجده الظروف، ولم يُخلق من فراغ سياسي أو جغرافي، بل هو بلاد الأنبياء والأوصياء، ومهد أولى الحضارات التي علّمت البشرية الكتابة والقانون.

إنه ليس كياناً طارئاً في الجغرافيا، بل أصل من أصولها، لا يليق بهذا البلد العريق أن يكون ساحة لصراعات الآخرين أو صندوق بريد لمشاريعهم،

ولا أن يُحشر في زاوية الحياد السلبي، أو يُراد له أن يصمت تحت عناوين الخوف أو الانقسام.

العراق، بوصفه وطناً وشعباً وتاريخاً، يجب أن يكون حاضراً بموقفه الواعي، لا غائباً بانقسامه.

فإما أن يختار موقعه بإرادته،

وإما أن يُفرض عليه موقع لا يليق به ولا بتاريخ أبنائه.

-لماذا لا نقف على الحياد؟ وماذا يعني أن نختار الموقف؟

وقوفنا مع إيران اليوم ليس موقفاً عاطفياً،

ولا انحيازاً عقائدياً،

بل انحيازٌ للحق في زمن اختلطت فيه الحقائق، وتشوّهت فيه المعايير.

نقف مع من يواجه مشروعاً يستهدفنا جميعاً،

مع من يفرض توازن ردع، لا من ينتظر المساعدات، مع من يُربك العدو، لا من يُنسّق معه أمنياً تحت الطاولة، في صراع كهذا، الحياد خيانة للوعي، والصمت مشاركة في الجريمة… ولو من حيث لا يشعر صاحبه.

-إلى الشباب العربي والعراقي: لا ترثوا الهزيمة… بل اصنعوا الوعي

أيها الشباب،

أنتم لستم جيل الانهيار، بل أنتم أبناء أرضٍ لم يعرف التاريخ مثلها: أرض الأديان، والأوصياء، والرسالات، والنبوغ الحضاري.

أنتم امتداد حضارة لا تموت، وروح وطن لا يرضى أن يكون هامشياً في تقرير مصير الأمة والمنطقة.

لا تكتفوا بالمشاهدة، ولا تبلعوا الرواية التي يُصنع فيها الوعي المزيف على أيدي أبواق الهزيمة.

افهموا ما يدور من حولكم، لا كما يُعرض عليكم في الإعلام، بل كما يقتضيه العقل الناقد والإرادة الحرة.

لا تسمحوا أن تُسرق إرادتكم تحت عناوين السلام أو الواقعية أو التحديث الزائف.

الموقف ليس رفاهية، بل مسؤولية ورسالة،

ومن لا يُدرك لحظة التحول، سيتحول إلى أداة في لحظة غيره.

كونوا حيث يكون الموقف.

فمن يُجبر العدو على الاحتماء، يُجبر التاريخ على إعادة الحساب.

ومن يُراكم الوعي، يصنع السيادة قبل السلاح.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى