
كتب عبد الأمير المجر.. عندما وصل الرئيس الصومالي محمد سياد بري إلى السلطة في العام 1969 رفع شعار الاشتراكية، وبات وفقا لذلك قريبا من الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي بشكل عام.
الصومال التي استقلت في العام 1960 كانت قد تشكلت من (الصومال الشمالي)، الذي كان تحت سلطة الاستعمار البريطاني و(الصومال الجنوبي) الذي كان تحت سلطة الاستعمار الايطالي، وقد اتحد الجزءان ليشكلا دولة واحدة، لكن هذه الدولة ظلت عينها على جزئها الثالث، الذي بقي تحت سيطرة اثيوبيا، وهو اقليم أوغادين، لتدخل الصومال المستقلة في حرب استنزاف مع اثيوبيا لاستعادة هذا الاقليم، لاسيما بعد ان صارت تتلقى الدعم السوفييتي مع وصول محمد سياد بري، لكنها لم تفلح في استعادة أوغادين بسبب الدعم القوي المقابل الذي كانت تتلقاه اثيوبيا من الغرب في عهد الامبراطور هيلاسي لاسي.
في العام 1974 حصل انقلاب مثير في اثيوبيا، اطاح الامبراطور هيلاسي لاسي على يد مجموعة من الضباط الشيوعيين الاثيوبيين بقيادة ابراهيم عندوم ومنغستو هيلا مريام، فانقلبت المعادلة تماما، اذ تحولت اثيوبيا من حليف لأميركا والغرب إلى عدو فتخلوا عن دعمها وصاروا يدعمون الصومال (لاستعادة أوغادين)، بعد أن نزع نظام محمد سياد بري ثوبه الاشتراكي وتحول إلى رأسمالي!.
شيء جدير بالذكر هنا ولعلنا اشرنا اليه في سياق موضوع سابق، وهو أن حكومة اليمن الديمقراطي (الماركسية) في الجنوب، واثناء حمى الصراع العقائدي وقتذاك، أرسلت قوة من ألفي جندي يمني لمساندة اثيوبيا الشيوعية ضد الصومال الرأسمالي، وايضا ارسلت كوبا قوة كبيرة لدعم نظام منغستو هيلا مريام الشيوعي.
الشيء الذي يستخلصه المحلل والمتابع من هذه التناقضات والتبدل في المواقف السياسية على خلفية عقائد متناشزة، هو أن العقائد نفسها لم تكن في الغالب وليس بالإطلاق بالنسبة للكثيرين من حاملي شعاراتها سوى اقنعة لمشاريع سياسية، ولم تكن بالضرورة للكثيرين من معتنقيها قضية مبادئ، حيث يلعب الظرف والمناخ الثقافي العالمي دورا كبيرا في الدفع اليها، وان الذي يلقي بكامل بيضه في سلة العقيدة ليقود دولة وسط هذا العالم، سيواجه متاعب لا حصر لها، وقد تأتي هذه المتاعب من المتماثلين معه عقائديا قبل غيرهم احيانا، لان المصالح العليا للدول وقراءة توازنات القوة في العالم تفرض نفسها بقوة، ولا يستطيع أي عقائدي مهما كان مخلصا من الوقوف بوجهها، ولعل من يريد قراءة احداث اخرى في العالم مشابهة لما حصل مع الصومال سيجد حتما وبكثرة.
المشكلة تكمن في ان الانتماء لعقيدة معينة يوفر للمنتمين اليها شعورا بالدفء النفسي قبل العقلي ويشعرهم بالاطمئنان ما يجعل علاقتهم العقائدية تبدو قوية، لكن الحقيقة هي انهم باتوا ينتمون إلى بعضهم انسانيا اكثر مما هم منتمون عقائديا وان كانوا فعلا يتشاركون الاخلاص للعقيدة نفسها، وهذه مسألة مركبة ومعقدة والحديث فيها يطول.
لم ينجح الصومال في استعادة اقليم أوغادين إلى اليوم، بسبب ان زعماءه انقسموا لاحقا بين قبائلهم المتصارعة على السلطة، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، الذي شهد افول عصر العقائد الثورية، وان هشاشة الوضع التي جاءت على خلفية هذا الصراع سمح للنباتات السامة أن تنتشر في حقول البلاد وابرز تلك المسمومات هي التنظيمات الارهابية، التي تقف وراءها قوى خفية لتجعل منها رصيدا لألاعيب ومشاريع سياسية لا مصلحة للصومال وغيره فيها، وقد أوصلت الصومال الموحد سابقا إلى صومالينِ متصارعين، وان حلم الوطنيين الصوماليين اليوم هو الخلاص من هذه التنظيمات الارهابية واعادة توحيد البلاد.
الخلاصة، هي أن من لا يقرأ لعبة التوازنات في العالم، ويبقى حبيس رؤيته الفكرية، سيجد نفسه في النهاية وقد خسر كل شيء، لأن حركة العالم منذ الازل والى اليوم محكومة بمصالح الناس، وأن القائد المؤثر هو من يستطيع أن يجعل حياة الناس أفضل وأن تعددت السبل إلى ذلك وتنوعت.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز



