مقالات
أخر الأخبار

صراع الصحراء: النفط وحدود القرار في الخليج وانعكاسه على اليمن

كتب نهاد الزركاني.. غالبًا ما يُقدَّم الصراع في اليمن ضمن ثنائيات تقليدية، مثل الشرعية والانقلاب! ، أو الصراع الإقليمي بين قوى متنافسة؟. غير أن هذا التوصيف، نضع عليه علامة استفهام ، لا يكفي لفهم تعقيد المشهد ما لم يُقرأ في سياق أعمق، يتعلق ببنية القرار في دول الخليج نفسها، وطبيعة تشكّلها السياسي، وحدود حركتها في النظام الدولي.

فدول الخليج، بوصفها كيانات سياسية حديثة، لم تنشأ نتيجة تطور (اجتماعي ….سياسي) داخلي طويل، كما هو حال كثير من الدول، بل تشكّلت فوق بيئة صحراوية تقليدية، جرى تثبيتها سياسيًا خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، ثم أُعيد دمجها لاحقًا في إطار النفوذ الأمريكي. ومن هنا، لا تُفهم الصحراء بوصفها جغرافيا فقط، بل بوصفها بنية تاريخية أثّرت في نمط الحكم وآليات اتخاذ القرار.

شهدت هذه الدول تحولات اقتصادية وعمرانية كبرى، غير أن هذا التطور سبق، في جوانب عديدة، تشكّل وعي سياسي مؤسسي متكامل. فالدولة سبقت المجتمع، والعمران سبق الإنسان، والاقتصاد الريعي سبق بناء العقد الاجتماعي. وقد أفرز ذلك نموذجًا سياسيًا يعتمد على الريع أكثر من اعتماده على المشاركة، وعلى الأمن أكثر من اعتماده على السياسة.

في هذا السياق، تبرز حقيقة مفادها أن القيمة المحورية لدول الخليج في النظام الدولي ترتبط بموقعها النفطي. فالنفط لا يمثل موردًا اقتصاديًا فحسب، بل عنصرًا محددًا لطبيعة العلاقات الدولية، ومصدرًا للحماية الخارجية، وأحد العوامل التي ترسم سقف القرار السياسي. وبهذا المعنى، يصبح القرار السيادي محكومًا باعتبارات الاستقرار الطاقوي العالمي، لا باعتبارات الاستقلال السياسي الكامل.

هذا الواقع لا يعني غياب الإرادة الوطنية أو انعدام هامش الحركة، لكنه يضع هذا الهامش ضمن إطار وظيفي واضح، يحدّ من القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى أو حسم صراعات إقليمية بصورة نهائية، خصوصًا حين يكون الحسم مدخلًا لظهور دول قوية أو قرارات مستقلة خارج التوازنات المرسومة.

وعند إسقاط هذا الإطار على الحالة اليمنية، يمكن فهم التباين في مواقف السعودية والإمارات بوصفه اختلافًا في إدارة الأدوار داخل فضاء جغرافي واحد. فالسعودية تنظر إلى اليمن، ولا سيما مناطقه الصحراوية، من زاوية الأمن والعمق الحدودي وضبط الاستقرار، فيما تركز الإمارات على الأبعاد البحرية واللوجستية والممرات الاستراتيجية. هذا التباين لا يعكس بالضرورة صراعًا سياديًا مباشرًا، بقدر ما يعكس اختلافًا في الأولويات ضمن منظومة إقليمية واحدة.

وبناءً على ذلك، يتحول اليمن إلى ساحة إدارة أزمة أكثر منه ساحة حل نهائي. فالحسم الشامل قد يفضي إلى قيام دولة يمنية قوية ذات قرار مستقل، وهو سيناريو يتقاطع مع حسابات إقليمية ودولية أوسع. ونتيجة لذلك، تُدار الجغرافيا وتُضبط التوازنات، فيما يبقى بناء الدولة والإنسان مؤجلًا.

إن ما يمكن تسميته بـ((صراع الصحراء)) لا يتمثل في تنازع جغرافي مباشر، بل في تفاعل بنيوي بين الجغرافيا الريعية، والاقتصاد النفطي، وحدود القرار السياسي في دول الخليج، وانعكاس ذلك على الأزمات الإقليمية، وفي مقدمتها اليمن. وفي ظل بقاء النفط عنصرًا مركزيًا في معادلة القرار، ستظل الصراعات تُدار ضمن هوامش محددة، دون انتقال حقيقي إلى منطق الحلول الجذرية وبناء الدول المستقرة.

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى