
أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بمسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى (ع) في خانقين/منطقة علي مراد، بإمامة الشيخ زهير التميمي، وحضور جمع مبارك من الإخوة المؤمنين.
وفيما يلي نص خطبتي صلاة الجمعة، وتابعتهما “النعيم نيوز”:
كان محور الخطبة الأولى “التأسي بالنساء الصالحات.. أمنة بنت وهب (عليها السلام) نموذجاً”.
لازلنا نعيش نفحات الألطاف الإلهية في ولادة النبي الأكرم (ص) وحفيده الإمام جعفر الصادق (ع) ففي مثل هذه المناسبات يتم التركيز على صاحب المناسبة أعني رسول الله (ص) وهو يستحق أن تكرس الأقلام والمنابر والكتب لنشر فضائله لكن لا يحسن الإغفال عن ذكر والدته، لأن كل المناقب التي حظي بها المولود من انعقاد نطفته إلى ولادته ونشأته كانت الوالدة شريكة له إضافة إلى سموّها في ذاتها ..
وهل نحتاج إلى دليل لنثبت سمو منزلة آمنة بنت وهب وقد اختارها الله تبارك وتعالى لتكون وعاء لحمل أكمل مخلوق وسيد الخلق أجمعين، نحن ما للأم من تأثير في صفات الطفل وملكاته، فحينما يقول الإمام السجاد (سلام الله عليه) في خطبته في البلاط الأموي (أنا ابن نقيات الجيوب أنا ابن عديمات العيوب)، فإن آمنة بنت وهب أم رسول الله (ص) على رأسهن، وحينما يقول الإمام الصادق (ع) في زيارته لجده الإمام الحسين (ع) أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها)، فإن آمنة بنت وهب أم رسول الله (ص) من هذه الأرحام المطهرة التي وحدت الله تبارك وتعالى وعكفت على طاعته وعبادته.
إن العفة والطهر والفضيلة التي أتصفت بها أم النبي (ص) في مجتمع تسوده الموبقات والمنكرات بأرذل أنواعها في حين كان الآخرون عاكفين على عبادة الأوثان ويمارسون الرذيلة، حتى من كانت تعرف بأنهن سيدات قريش وما أشبه جاهلية اليوم التي أسوء من جاهلية الأمس، بمجرد أن تبلغ المرأة منصب أو سلطة تتخلى عن جلباب العفة والستر، عندما نقرأ في سيرة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) عندما خرجت تطالب الحكومة الظالمة بحق الخليفة الشرعي، كانت تتعثر بجلبابها وتمشي مشية أبيها (ص)، وهكذا من تريد تتأسى وتقتدي بالصالحات، لكن مما يؤسف عليه فقد قصّر المؤرخون والكتاب والخطباء في حق السيدة الجليلة آمنة بنت وهب ولم يبينوا فضائلها ومآثرها وبالغ الكثير فحرموها من أقدس علاقة بين الأم ووليدها، حيث قالوا أنها دفعت وليدها إلى حليمة السعدية لترضعه، وهي موجودة لأنها توفيت بحسب زعمهم وعمر النبي (ص) ست سنوات، وهذا تزييف للتاريخ فإن آمنة بنت وهب أرضعت ولدها وأشفقت عليه وتولت رعايته لكنها لما ماتت وعمره بضعة أشهر دفعه جده عبد المطلب إلى حليمة السعدية لترضعه، وأنت ترى أن موسى ابن عمران (ع) ولد في أسوء الظروف حيث كان فرعون يقتّل أولاد بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى أمه أن تجعله في تابوت وتلقيه في أليم، ومع ذلك لم يحرم أمه من هذه الرابطة المقدسة قال تعالى ((وحرمنا عليه المراضع من قبل من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون)).
وقد ذكروا وجوهاً لتبرير هذه الأكذوبة فقالو لجفاف اللبن عند أمه آمنة مع أن العكس هو صحيح فإن حليمة السعدية تروي أن صدرها كان جافاً من اللبن فلم تستطع إرضاع ولدها حتى ألقمت رسول الله (ص) فدّر لبنها .. وقالوا لكي يتعلم الصغير آداب العربية وخصال العرب، وهو حط من منزلة رسول الله (ص) الذي يقول (أدبني ربي فأحسن تأديبي) وقال (أنا أفصح من نطق بالضاد) فمن ذا الذي يتعلم عنده رسول الله (ص) شيئاً.
وإذا كانت إمرأة تولت رعاية النبي (ص) والحنوّ عليه وتفضيله على أولادها فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم زوجه عمه أبي طالب (رض) التي قال فيها رسول الله (ص) (إنها أمي بعد أمي).
الخطبة الثانية محورها “لا مكان للتفاهة في حياة الإنسان“، قال تعالى ((أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)) هذه الآية من سورة المؤمنون جليلة القدر عظيمة البركة، فقد روي أن عبدالله بن مسعود قرأها في أذن مصاب حتى نهاية السورة فبرأ لأنه سمع من رسول الله (ص) قوله (والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال)).
فإن الكثير من البشر يظن أنه لا توجد حياة أخرى بعد الموت ولا حساب ولا جنة ولا نار، وهو وهم باطل يريد به هؤلاء أن يخدعوا أنفسهم حتى يطلقوا العنان لشهواتهم وأهوائهم ليفعلوا ما يشاؤون ما داموا لا يتعرضوا للحساب فالآية توجه لهم استفهاماً استنكارياً فيه توبيخ على هذا الاعتقاد ممزوج بالحسرة والأسف ((أيحسب الإنسان أن يترك سُدى))، فإن ظنكم بعدم وجود يوم القيامة الذي ترجعون فيه إلى خالقكم ليحاسبكم على أعمالكم يلزم منه أنّ خلقكم وإيجادكم عبث وليس وراءه هذا صحيح ولا يثاب المحسن على إحسانه ولا يعاقب المسيء على إساءته ولا ينتصف المظلوم من الظالم، وفي كل هذا ظلم لله سبحانه وتعالى لذا جاءت الآية التالية حاسمة في التنزيه ((فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو ربُّ العرش الكريم))، فهذه الغاية هي التي تجعل للحياة معنى وقيمة ولولا وجود يوم يكافئ به المحسنون ويعاقب فيه المسيئون لما كان هناك أي حافز لفعل الخير ولا رادع عن فعل الشر.
وهكذا تكشف الآية عن أن كثيراً مما يظنه الإنسان ويتقد به هو وهم باطل لأنه لم يأخذه من المعين الصافي، فعلى الإنسان أن يستشعر مسؤوليته عن وجوده في هذه الدنيا، وأن يستعد للحساب عند رجوعه إلى الله تعالى يوم القيامة، ومن يستسلم للغفلة سيفاجأ بما يجده في كتاب أعماله ((وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون))، فإنه مخلوق للأخرة، والدنيا دار ممر لها يتزود منها الإنسان بما يضمن له السعادة والفوز في الآخرة، قال أمير المؤمنين (سلام الله عليه) (الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها).
فهناك عدة آيات تشير إلى الغرض من خلق الإنسان منها ((إلاّ من رحم ربُّك ولذلك خلقهم))، فقد خلقهم ليتنعموا برحمته ويسعدوا برضوانه ((ولقد كرمنا بني آدم ))..
لذا روي عن الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) قوله (أيها الناس إن الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة غيره))، وفي هذا زجرٌ للعابثين في هذه الحياة الغافلين عما خلقوا لأجله، حتى أصبحت صناعة التفاهة كما يسمونها رائجة وكلما كان المحتوى الهابط أكثر تفاهة وانحطاطاً كان أكثر رواجاً ويلقى إعجاب الملايين، فتسابق طالبوا المال والشهرة لابتكار التفاهات بينما المواقع التي تبني الإنسان وتغذي فكره وتنمي قدراته لا يرتادها إلا القلة.
إن هذه الصناعة أقصد التفاهة ليست وليدة اليوم كما نرى في اختلاط المرأة مع الأجانب وإظهار مفاتنها وجسدها وتنازل البعض عن المبادئ والقيم التي تربى عليها، من أجل المنصب والشهرة وكسب المال حرام حلال لا مانع من ذلك، وهذه سياسة تشجع عليها الحكومات الجائرة الظالمة لإلهاء شعوبها عن قضاياها الأساسية وإشغالهم عن محاسبة الحكام والظلمة والفاسدين، وعدم الالتفات إلى جرائمهم بل يصنعون منهم رموز للوطنية تحت مسميات بسبب تسطيح عقول الناس وتجهيلهم حتى يكونوا كالقطيع الذي يقاد بلا وعي، كما نقرأ عن حكام بنوا أمية كانوا نشطين في صناعة التفاهة خصوصاً في الحرمين المقدسين مكة والمدينة، لأن فيها بقايا أصحاب النبي (ص) والفقهاء والصلحاء وعلى رأسهم أئمة أهل البيت (ع)، فتعمدوا إلى القضاء على الأخلاق والعفة والشرف ونشر الخلاعة والمجون كما نشاهدها اليوم من يتشبه بهم.
بالمقابل يعلمنا الإمام السجاد (سلام الله عليه) في أدعيته التي تمثل مدرسة التكامل والمعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة أسس الحياة السعيدة، يعلمنا الهدفية في الحياة وألا نصرف أوقاتنا إلا فيما ينفعنا في قوله (واستعملني بما تسألني غداً عنه واستفرغ أيامي فيما خلقتني له)، أي كرّس أعمالي لما تطلبه مني يوم القيامة الصلاة والصوم وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب المحارم والبر بالوالدين والإحسان إلى الناس، وهكذا كانت مواجهة التفاهات حتى ورد في تفسير قول الإمام (ع) (الذنوب التي تهتك العصم) إنها (شرب الخمر ولعب القمار والدومنة وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس).
ويزداد قبح الفعل إذا تضمن الكذب وإيذاء الناس والاستهزاء بهم من وصية النبي (ص) لأبي ذر قال (ويلٌ للذي يحدِّث فيكذب ليُضحك القوم ويلٌ له ويلٌ له ويلٌ له) وفي حديث الإمام الصادق (ع) قال (لا تمزح فيذهب نورك ولا تكذب فيذهب بهاؤك).
وفي وصية الإمام الكاظم (ع) لبعض ولده قال (إيّاك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروّتك)، وهذا لا يشمل مزاح المؤمنين وملاطفتهم وإدخال السرور عليهم إذا خلا من الكذب والباطل وإيذاء الآخرين ومن كل ما يوجب عداوتهم.
نسأل الله أن يوقظنا من نومة الغافلين المبعدين (وعمّرني ما كان عُمري بذلة في طاعتك)”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز