اخبار اسلامية

خطبتا جمعة أبو كوصره بإمامة الشيخ صلاح الأسدي

أقيمت صلاة الجمعة المباركة بمسجد وحسينية الإمام المهدي (ع) في منطقة أبو كوصره/ قضاء أبي الخصيب، بإمامة الشيخ صلاح الأسدي.

وكان موضوع الخطبة الاولى، وتابعتها “النعيم نيوز”:

قال تعالى في مُحكم كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
إن من أحد اسباب بعثة الأنبياء، وخصوصاً خاتم الأنبياء والمرسلين النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}.

فمهمة الانبياء هي هداية الناس من الظلمات الى النور و يبذلون جهداً كبيراً في سبيل انجاح هذه المهمة ,
فان النبيّ العظيم محمد ( صلى الله عليه و آله ) كم جاهد في سبيل الله تعالى، وبذل جهداً كبيراً لأجل هداية الأمّة خلال ال ( 23 ) عاماً التي عاشها مبلغاً لرسالة السماء لهذه الأمة ، وكم طلبوا منه أن يدعو عليهم في أول البعثة الشريفة، ولكن كان يقول: “اللهمّ اهدِ قومي فإنهم لا يَعْلَمُونَ”.
نرى اليوم جذور الاسلام العظيمة التي ينعم بها المسلمون
إن هذه نعمة الإسلام المحمدي الأصيل الذي فيه طهارة المسلم وكرامته
أيها الإخوة الكرام، إن المنظومة الإسلامية منظومة عظيمة ومتكاملة من جميع النواحي ، لأنها تُرِيدُ صِنَاعَةَ الإنسان المتكامل، و قد اكتملت في زمنه قال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. وهكذا اصبح المنهج الاسلامي منهجاً متكاملاً منذ ذلك الحين بالقوانين التي وضعها و اسس دعائمها و بينها بالكامل نبينا الاكرم محمد صلى الله عليه وآله، حتى كانت قاعدَةً: “حَلالُ مُحَمَّدٍ حَلالٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَحَرَامُ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ”. هي النظرية العظيمة التي على المسلم أن يسير عليها إلى نهاية عُمُرِه.
هذا الدين الكامل لا بُدَّ أن يُحْفَظَ عندنا ولا نُفَرِّطَ به لا من قَبْلُ ولا من بعدُ ألفٍ و اربعمائة عام، كما بين سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله. وهذه الرحمة المحمدية العظيمة، وهذا النور المحمدي يتمّم به المسلم الحق، وهو دين الإسلام، والذي حُفِظَ لنا من خِلاَلِ أَهْلِ البيت عليهم السلام، بعد أن أراد القوم بِتَغْيِيرِ وتَغْيِيبِ نَهج النبيّ صلى الله عليه وآله.
فمن هذه المقدمة أيها الإخوة الكرام أريد التركيز على ما نُشَاهِدُ ونَسْمَعُ، أن المجتمع المسلم – للأسف أقول – بدأ يتأثر بالأقوال والأفعال والأفكار الدخيلة على نهج الإسلام وبعيد عن تعاليم الإسلام. إذن من خلال الاية المباركة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. فلابُدَّ من تحديد المسؤولية على من تقع؟ لا فقط من يرتبط معك بأنه المسلم بقرب أو رحم، وهم أهلك كما عبرت الآية الكريمة، بل نوسع العنوان أكثر. فمن الذي يتحمل المسؤولية في وقاية الناس من النار بعد أن يقي نفسه؟
أولاً: الحكومة. اليوم واجب عليها أن تحافظ على المجتمع وعلى الأجيال التي تنشأ في ظل هذا التطور والحداثة. نحافظ عليه من الأفكار المنحرفة والتصرفات المنحرفة، كالمواقع أو الوسائل ذات المحتوى الهابط التي تدار من قبل شخصيات هابطة ، و الذي نسمع بحمد الله – أن القضاء العراقي تناول ذلك، بعد أن طالبت به المرجعية الرشيدة، وساندها كل الشرفاء والخيرين. وكذلك إيقاف ظهور الإعلاميين الفسقة الذين لا دين عندهم وعديمي الأخلاق، الذين همهم الشهرة و أشاعة الفاحشة والاستفزاز بكل ما هو محترم ومقدّر. وكذلك تجفيف منابع الخمر والمخدرات، وإصدار القوانين الصارمة التي توقف هذا الانحلال والتجاوز على أحكام الشريعة المقدّسة. ولا ننسى حق القوات الأمنية التي تتابع وتتابع حتى أعطت ضحايا وشهداء بسبب القبض على تجار المخدرات وغيرهم من مسببي الفساد والانحلال. وعلى الحكومة أيضاً أن تراقب المنظمات الناشطة في البلد، وخصوصاً المنظمات النسوية التي لها دعم خارجي ولها جذور أمريkية وإسRائيلية، والتي تعمل ليلاً ونهاراً بدعم أمريkي وإسRائيلي على إشاعة الفساد والانحلال، وتشريع الأفكار الهدامة التي تهدم الأسرة المسلمة، التي كم تعبت الشريعة الإسلامية للمحافظة على صلابة هذه العلاقة بين الرجل والمرأة حتى تنتج أسرة مسلمة تملأ الأرض بقول: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم”.
ومن المؤسف أن نسمع في أحد الأيّام من الذين يبدون القرار من يريد أن يبيح شرب الخمر في المطاعم. أقول له: ومن الذي يسمح لك بذلك؟ وهذا الدين الإسلامي يحرم ذلك، ونحن في بلد عنوانه الإسلام.

وكذلك نقطة مهمة، أن وجود هذا المُحتوى الهابط والإعلام الفاسد يكون مدعاة لانتشار الجريمة في البلد، لأن فيه طاعة للشيطان، وما أدراك ما الشيطان! هو مصدر للرذيلة، وحتى الإعلان عن ملابس أو شيء آخر أصبح باباً من أبواب الفساد، والذي ينظر ويتابع يشاهد ذلك. إذن واجب الحكومة والمسؤولية الملقاة عليها كبيرة جداً، فلابُدَّ أن تكون على قدر المسؤولية.

ثانياً: البرلمان. هو أيضاً لابُدَّ أن يقي نفسه كل من دخل قبة البرلمان وأصبح عضواً فيه. لابُدَّ أن يصدروا القرارات ويصوتوا عليها بما فيه مصلحة هذه الأجيال التي تترقب عسى أن يصدر ما هو خير لهم. لابُدَّ من تشريع القوانين التي تخدم الأجيال وترعى حقوقهم.

ثالثاً: المجتمع. عليه أن يُحصّن ويقي نفسه، ويستمع إلى الكلام الحق من القرآن الكريم وتشريع سيد المرسلين. فما دُمْتَ مُسْلِماً، فلا بُدَّ من معرفة أحكام دينك وماذا يجب عليك. ليس من المعقول أن يعرف المسلم فقط أنه مسلم بالاسم! فهذه طامة كبرى. لا بُدَّ لكل فرد من أفراد المجتمع أن يرفض الباطل ويرفض الحرام في كل مفاصل الحياة، سواء كان مسؤولاً في الدولة، أو موظفاً، أو غيرهم من أفراد المجتمع المسلم.
وأيضاً أوجه كلمة لزعماء العشائر تحديداً من هذا المنبر المبارك أن العشيرة هي عيالتكم، والآية الكريمة تقول: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً، فهؤلاء أيضاً أهلكم وقراباتكم وتربطكم معهم صلة الرحم أو صلة العمومية وهكذا. فالحذر الحذر من الحكم بما لا يرضي الله تبارك وتعالى وإدخال أفراد العشيرة في أمور باطلة والعياذ بالله.
وهنا توجد ملاحظة، لا بُدَّ من الإشارة إليها، وهي : أنه لماذا المجتمع يطرب ويتفاعل مع نشر الأحداث حتى التي فيها قتل وموت وعدوان و بعضها فيها انتهاك لحرمة العوائل والأشخاص، وكذلك الأحداث التي ترتكب فيها معاصي الله تعالى والعياذ بالله ، حتى تجد الصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي تضخُّ بذلك من دون روية ومن دون تحرٍّ، وخصوصاً إذا حدث الشيء في الوسط والجنوب.
وبالمقابل إذا حدث ما فيه نصرة للدين واحترام الآخرين والحث على نشر الأخلاق والفضائل لا يوجد تفاعل بالمستوى المطلوب،
إذن هذا أكبر دليل أن هناك أيادي خفية وراء نشر الفاحشة وخدش كرامة الناس. لذا أيها الإخوة الكرام، إن المجتمع يتحمّل الكثير من أجل أن يقي نفسه ويقي من يرتبط به، سواء كان على مستوى العائلة أو العشيرة أو القرابة أو حتى على مستوى الإخوة في الدين. فلا بُدَّ أن تكون هذه الآية حاضرة في أذهاننا وهي: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. وهذا التصوير وهذا النشر إذا لم يمح ويتب صاحبه ويعتذر فسوف يُحاسب يوم القيامة حساباً عسيراً.
والحذر الحذر من السلوك الجمعي الذي للأسف يجرُّ الناس إلى معصية الله تعالى، لأنه في بداية الأمر تجد الشاب مثلاً يتحرج أن يراه الناس في أماكن المعصية، ولكن مُجرَّد صحبة السوء والتأثير به من قبل الآخرين يتكسر هذا الحياء ويصبح لا مانع له من الخضوع عند أماكن المعصية، بل يشجع غيره عليها والعياذ بالله.

رابعاً: الآباء. مسؤوليتكم كبيرة تجاه عوائلكم بعد أن تطور الإعلام، و اتيحت مواقع التواصل للجميع ، الذي هو سلاح ذو حدين: إما الخير وإما الشر والفساد والعياذ بالله. أنت أيها الأب مسؤول أمام الله تعالى في الحفاظ على أفراد الأسرة من الانحراف والانخداع بالأفكار المنحرفة، وعن صلاتهم، وعن التزامهم، وعن تعليمهم الخير والصلاح.
على الأب ان يعي دوره و هو معرفة العلاقات التي ينشئها الأبناء، وعن أعمالهم وطرق تعاملهم مع الآخرين، لأنها تمر الأيام والأب في واد والأولاد والزوجة في واد آخر.
وهذا الرجل الذي سمع الآية الكريمة: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} جاء يبكي إلى رسول الله قال: أمرتنا بوقاية أنفسنا وأهلينا، رأى المسؤولية كبيرة وعظيمة، فقال له النبي: “نَعَمْ، تَأمُرُهُم بِمَا تَأمُرُ بِهِ نَفسَكَ وَتَنْهَاهُم عَمَّا تَنْهَى عَنْهُ نَفسُكَ”.
بينك وبين الله، لو قام الابن أو البنت بتصرف غير صحيح فما هو حال الأب عندها؟
وليعلم الآباء أن هذه الغفلة من قبل الأولاد وتركهم ساعات مع الموبايل، ولا فرق بين الصغار والكبار، ماذا ستولدت لديهم؟
الجواب : التوحد والإدمان و ربما إلى الانتحار وقتل النفس. لأن هؤلاء الشباب وحتى الفتيات يأخذون كل ما يخص حياتهم من الموبايل، وهذا فيه الصالح والطالح، فأكيد تكون نتائج سلبية عند البعض.
إذن لا بُدَّ من بذل الجهود لأجل انتشال جيل كامل وجعله معافى صحياً وأخلاقياً. لذا عندما نقول: لا بُدَّ من إرسال الأولاد والبنات إلى أماكن إقامة الدورات الصيفية والحضور في الدروس الحوزوية، وعند مجمع المبلغات مثلاً أو غيرها من مجمعات حفظ وتعليم القرآن الكريم، هو لأجل تريبتهم تربية صحيحة، ومن أجل إنشاء جيل مؤمن متفقّه دينياً يحمل هم الإسلام والمذهب الشريف.

خامساً: المؤسّسة الدينية بكل ما تضم من أفراد… لا بُدَّ أن تشخّص الخلل في المجتمع وتُعطي العلاج والحلول الشرعية، فهي مسؤولة عنهُ ببيان الحلال والحرام وإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية وإيصالها للناس. وكما عبّر سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظلّه الشريف: إن وظيفة العلماء وأهل العلم لا يكتفي فقط بطبع الكتاب وخصوصاً الرسالة العملية، بل لا بُدَّ من إيجاد طرق كيف توصلها للمجتمع وكيف يتفاعلون معها. لأن وقاية المجتمع مسؤولية كبيرة كما صنع النبي الأعظم محمد (ص ) : ويصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه: “طبيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه”. وعلى الأمّة أن تتبع علماءها ولا تعصي وتجتهد من تلقاء نفسها.
اليوم الناس تتاجر بشبكات التواصل الاجتماعي، والذي يسمى بالشبكة العنكبوتية، وفيها أموال وشركات وهمية، وفيها دعم لإسرائيل وأمريكا، وغيرها من التعاملات. وهذه كلها لا بُدَّ أن نسمع فيها إلى رأي العالم والفقيه، حتى لا تدخل الأموال الحرام في البيت من حيث تعلم أو لا تعلم.
لذا مهمة المؤسسة الدينية كبيرة جداً، ولا بُدَّ أن لا يهدأ لها قرار ما دام المجتمع منفتحاً على العالم.
اللهم وفقنا لما فيه الخير والصلاح، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
أما بعد، لا زلنا نعيش بركاة ولادة الامام الصادق ( عليه السلام ) و التي توافق ولادة النبي الاكرم ( ص ) فحري بنا ان نتحدث عن التفقه في الدين وطلب العلم.

أيها المؤمنون، إن أول ما نزل من القرآن كان دعوة إلى العلم والقراءة، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (سورة العلق: 1-5).
وليس الأمر مجرد فضيلة عادية، بل هو فرض وواجب أوجبه الله على كل مسلم ومسلمة. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: “طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا إن الله يحب بغاة العلم” (الكافي، ج1، ص30). إنها فريضة كفريضة الصلاة والصوم، بل هي مفتاحهن وباب فهمهن.
ولماذا هذا التأكيد؟ لأن الدين ليس مجرد عبادات آلية بلا فهم، ولا معاملات بلا وعي. إنه دين يقوم على الحكمة والبصيرة. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر: 9). فالفقه في الدين هو الذي يصنع هذه المفارقة، فهو الذي يميز بين المؤمن الواعي والجاهل المتخبط. و ربما يكون هذا الجاهل معارضاً لسن أي قانون يوافق الشريعة , او يعمل بالتجارة المحرمة و كسب الاموال بطريقة تخالف الشرع .

ايها الاخوة : لقد بين الله تعالى منزلة العالم ،حيث قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (سورة المجادلة: 11). والمراد بالعلم هنا هو العلم بالله وبشريعته، العلم الذي يورث الخشية، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (سورة فاطر: 28). فكلما ازداد العبد علماً بالله وبدينه، ازداد له خشية وخوفاً ومحبة.
و كذا فقد روي عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة” (بحار الأنوار، ج1، ص177).
و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (الكافي، ج2، ص512).
و عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: “كمال الدين طلب العلم والعمل به” (غرر الحكم). ويقول (عليه السلام) أيضاً: “العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال” (نهج البلاغة، الحكمة 147).

والإمام الصادق (عليه السلام)، باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله)، كان يحث أصحابه فيقول: “اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا” (الكافي، ج1، ص52). ليؤسس بذلك لمنهجية في طلب العلم قائمة على التدوين والتحقيق، لا على السماع العابر والنسيان.
وكان (عليه السلام) يوجه أنظار طلبة العلم إلى الغاية الأسمى، فيقول: “اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولى الأمر بالمعروف والعدل والأحسان” (الكافي، ج1، ص86). فالفقه الحقيقي هو الذي يقود إلى المعرفة الحقّة بالله وبرسوله وبأئمة الهدى (عليهم السلام).
لنحرص على أن نكون من “بغاة العلم” كما أحبنا الله أن نكون. ولنجعل لأنفسنا حظاً من الوقت لنتفقه في ديننا،ليلتحق الشباب في جامعة باقر العلوم الدينية و الفتيات بالمدارس النسوية .

ايها الاخوة : ما هي اثار ترك التفقه في الدين
قال تعالى محذراً: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (سورة الكهف: 103-104). إن من أخطر آثار ترك التفقه أن يعيش الإنسان في ضلالٍ وهو يظن أنه على هدى، يعبد الله على جهل، فيُحبط عمله وهو لا يدري.

أولاً: الآثار على الفرد.
الجهل والضلال في العقيدة: فمن لم يتفقه في دينه، يصبح فريسة سهلة للشبهات والأفكار المنحرفة. يصغى لكل ناعق، ويتبع كل صائح. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): “العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إلا بعداً” (الكافي، ج1، ص43). فكيف بمن لا يسير أصلاً؟!
فساد العبادة وعدم قبولها: العبادة بلا علم لا تضر إلا صاحبها. فكيف يصلي من لا يعرف شروط الصلاة؟ كيف يصوم من يجهل مبطلات الصوم؟ عن الإمام الباقر (عليه السلام): “العالم الذي يُنتَفَع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد” (الكافي، ج1، ص34).
لأن عبادته مبنية على أساس متين.
أما الجاهل لا يميز بين الحلال والحرام، فيقع في الشبهات والمحرمات وهو لا يشعر. قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): “ما أُعْطِيَ أحد عطاءً بعد الإسلام أفضل من العقل… وإذا لم يكن عقلٌ لم يكُنْ أدبٌ، وإذا لم يكن أدبٌ لم يكُنْ دينٌ” (تصنيف غرر الحكم، ص 92).
والعقل هنا هو العقل المستنير بنور العلم الشرعي.
ومن تلك الآثار : القلق الروحي والفراغ الإيماني:
. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (سورة طه: 124) فالعلم نور، والجهل ظلام.

ثانياً: الآثار على المجتمع.

تفشي البدع والمنكرات: عندما يترك الناس التفقه، يظهر المشعوذون والدجالون، وتنتشر البدع على أنها سنن، وتُقبل المنكرات على أنها عادات. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إذا ظهر الجهل في أمة قبض العلم منها، وإذا قبض العلم منها لم يبق فيها كبير إلا صار جاهلاً” (بحار الأنوار، ج2، ص111).
التمزق الاجتماعي وفساد العلاقات: المجتمع الجاهل بشرع الله تضيع فيه الحقوق، وتُهضم فيه الأموال، وتُنهك فيه الأعراض. لأن الضابط الوحيد للعلاقات هو هوى النفس. قال الإمام علي (عليه السلام): “فاقد الشيء لا يعطيه” (نهج البلاغة، الحكمة 86). فكيف لمجتمع جاهل بأحكام المعاملات والحدود أن يحقق العدل؟!
التبعية الفكرية والثقافية: الأمة التي لا تمتلك وعيها الديني العميق تصبح أمة مستهلكة، تتبع غيرها في قيمها وأفكارها المنحرفة، وتفقد هويتها وشخصيتها. قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة الحشر: 19). نسيان الله هو نسيان دينه وشريعته، فينسون مصلحة أنفسهم.

ضعف الأمة وذلها: إن قوة الأمة لا تكون بعددها وعدتها فقط، بل بعقولها وعلمائها. الأمة الجاهلة أمة ضعيفة مستضعفة. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن، وما تَقَرَّبَ عبدٌ بِمِثلِ العقلِ، ولا تَباعَدَ بمِثلِ الجَهلِ” (غرر الحكم). والجهل هنا هو أعظم أسباب الفقر والتخلف.
أيها المؤمنون، إن للعلماء ورجال الدين وطلبة العلم مكانة عظيمة في شريعتنا السمحة، فهم ورثة العلم النبوي، والمحافظون على شعلة الهدى الإلهي. قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (سورة المجادلة: 11). فهذه الرفعة من الله تعالى توجب عليهم التكريم والتقدير.
قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (سورة آل عمران: 18). فجعل شهادتهم مقرونة بشهادته وشهادة ملائكته،
و روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): “الفقهاء أمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا”. قيل: وما دخولهم في الدنيا؟ قال: “إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم” (الكافي، ج1، ص46).
و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “العلماء مصابيح الأرض، وخلفاء الأنبياء، وورثتي وورثة الأنبياء” (أمالي الصدوق، ص4). فهم يحفظون الدين من تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين.
ايها الاخوة : كيف يكون الاحترام والتقدير؟
التوقير والإجلال في المعاملة: يجب علينا أن نعامل العلماء وطلبة العلم بالاحترام والتقدير، ونعرف لهم قدرهم. قال الإمام علي (عليه السلام): “من حق العالم عليك أن تسلم على الناس عامة، وتخصه دونهم بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينك” (تحف العقول، ص171).

الإصغاء إلى نصائحهم وفتاويهم: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} (سورة النساء: 59). وأولو الأمر هم العلماء الربانيون. روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): “إن الفقهاء حصون الإسلام، وحصن الإسلام الذي يحتمي فيه الناس” (وسائل الشيعة، ج27، ص131).
الدعاء لهم بالتوفيق والثبات: فهم بحاجة إلى دعاء المؤمنين كما نحن بحاجة إلى علمهم وهدايتهم. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): “ادعوا للفقهاء بالثبات، فإنهم أمناء الله على حلاله وحرامه” (بحار الأنوار، ج2، ص6).
الدفاع عنهم ونصرتهم: يجب على المؤمنين أن يدافعوا عن علمائهم وطلبة العلم ضد الحاقدين والحاسدين.
ايها المؤمنون : إن من فوائد احترام العلماء وطلبة العلم
نيل البركة في العلم والعمل ,
الاقتداء بهم في السير والسلوك
استمرار وجود العلم والعلماء: فباحترامهم وتقديرهم يشجع ذلك الشباب على طلب العلم والانخراط في سلكه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى