خطبة مسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى (ع) في خانقين بإمامة الشيخ حسين المندلاوي

أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد وحسينية الامام الحسن المجتبى ( ع ) بخانقين منطقة علي مراد بإمامة الشيخ حسين المندلاوي وحضور جمع مبارك من الإخوة المؤمنين.
وفيما يليل الخطبة، وتابعتها “النعيم نيوز”:
وَرَدَ عَنِ الإِمَامِ الْهَادِي(عَلَيْهِ السَّلَامُ): أَنَّهُ قَالَ: «لَوْلَا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قَائِمِكُمْ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ، وَالدَّالِّينَ عَلَيْهِ، وَالذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَالْمُنْقِذِينَ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ شِبَاكِ إِبْلِيسَ وَمَرَدَتِهِ، وَمِنْ فِخَاخِ النَّوَاصِبِ، لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ, وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّيعَةِ، كَمَا يُمْسِكُ صَاحِبُ السَّفِينَةِ سُكَّانَهَا، أُولَئِكَ هُمُ الْأَفْضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
إِمَامَةُ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ
تَسَلَّمَ الإِمَامُ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِمَامَةَ وَعُمْرُهُ حَوَالِيَّ الثمان سِنِينَ، وَذَلِكَ بَعْدَ اسْتِشْهَادِ أَبِيهِ الإِمَامِ الْجَوَادِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامَ (٢٢٠هـ). فَإِمَامَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هِيَ الْمَصْدَاقُ الثَّانِي لِلْإِمَامَةِ الْمُبَكِّرَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي مَدْرَسَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَكُونَ التَّمْهِيدُ لِإِمَامَةِ الْجَوَادِ(ع) الْمُبَكِّرَةِ تَمْهِيدًا لِإِمَامَةِ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ وَالنُّوبَخْتِيُّ أَنَّ جَمِيعَ شِيعَةِ الإِمَامِ الْجَوَادِ(ع) دَخَلُوا فِي طَاعَةِ الإِمَامِ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا أَفْرَادًا قَلِيلِينَ تَبِعُوا لِأَمَدٍ قَصِيرٍ مُوسَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِالْمُبَرْقَعِ الْمَتَوَفَّى فِي الْعَامِ (٢٩٦هـ) وَالْمَدْفُونِ فِي قُمَّ، ثُمَّ تَرَكُوا الْقَوْلَ بِإِمَامَتِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَاعْتَقَدُوا بِإِمَامَةِ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ .
إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الإِمَامَ الْجَوَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ طُلِبَ مِنْهُ الْحُضُورُ إِلَى بَغْدَادَ مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَصِمِ الْعَبَّاسِيِّ فَهِمَ مَغْزَى هَذَا السَّفَرِ وَأَدْرَكَ مَدَى خَطُورَتِهِ، فَبَادَرَ إِلَى تَعْيِينِ الإِمَامِ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصِيًّا لَهُ ، وَأَصْدَرَ نَصًّا مَكْتُوبًا بِإِمَامَةِ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ أَيُّ مَجَالٍ لِلشَّكِّ .
وَقَضَى الإمَامُ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ الْمُبَارَكِ فِي مَدِينَةِ جَدِّهِ(ص). وَحُمِلَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْهَا سَنَةَ (٢٣٤ هـ) بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ لَهُ الإمَامُ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ (ع) فِي سَنَةِ (٢٣٢ هـ), وَبِهَذَا يَكُونُ الإمَامُ الْهَادِي(ع) قَدْ قَضَى (١٤) سَنَةً مِنْ سِنِي إِمَامَتِهِ فِي الْمَدِينَةِوَ(٢٠) سَنَةً أُخْرَى فِي سامراء.
وَقَدْ شَهِدَ عَصْرُ الإمَامِ عَلِيٍّ الْهَادِي (ع) انْتِشَارَ الْكَثِيرِ مِنَ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ الَّتِي حَاوَلَتْ إِضْعَافَ الْعَقِيدَةِ الإسْلَامِيَّةِ وَتَشْوِيهَ صُورَةِ الإسْلَامِ الصَّحِيحِ, وكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْأَجْوَاءِ السِّياسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُتَوَتِّرَةِ، وَاسْتِغْلالِ الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ لِلْحَرَكَاتِ الْفِكْرِيَّةِ لِتَحْقِيقِ مَآرِبِهِمُ السِّياسِيَّةِ.
وَقَدْ تَصَدَّى الإمَامُ (ع) لِهَذِهِ الانْحِرَافَاتِ الْفِكْرِيَّةِ وَالْعَقَائِدِيَّةِ بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَعِلْمِيَّةٍ، وَوَاجَهَهَا بِالْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ الْقَوِيَّةِ، وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الشُّبُهَاتِ الَّتِي أُثِيرَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى لُغَةِ الْحِوَارِ وَالدَّلِيلِ، يَقُولُ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ الْمَرْجِعِ الْيَعْقُوبِيِّ(دَامَ ظِلُّهُ)، حَوْلَ دَوْرِ الإمَامِ الْهَادِي(ع): ( … هَذَا دَرْسٌ مِنْ حَيَاةِ الإمَامِ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَسْتَلْهِمُهُ وَنَهْتَدِي بِهِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الدَّعَاوَى وَكَثُرَ الْمُدَّعُونَ كَالدَّعَوَاتِ الْمُرْتَبِطَةِ بِالإمَامِ الْمَهْدِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَوْ دَعَوَاتِ الانْتِسَابِ إِلَى ذُرِّيَّةِ الرَّسُولِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ) بِدُونِ بَيِّنَةٍ سِوَى ظُنُونٍ لَا تُغْنِي عَنِ الْحَقِّ شَيْئًا، وَدَعَاوَى أَصْحَابِ النُّورِ وَالْأَعْمَالِ الرُّوحَانِيَّةِ وَأَصْحَابِ الْكَرَامَاتِ، مَضَافًا إِلَى هَذِهِ الْقُبُورِ الْوَهْمِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ بِعَدَدٍ هَائِلٍ بِعُنْوَانِ أَنَّهَا لِأَوْلَادَ وَبَنَاتِ الْمَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)….فَعَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَأَسَّى بِالإمَامِ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَكُلِّ الْأَئِمَّةِ الْأَطْهَارِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وَنَقِفَ بِحَزْمٍ وَشَجَاعَةٍ وَحِكْمَةٍ أَمَامَ هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ وَنَفْضَحَهُمْ وَنَكْشِفَ زَيْفَ دَعَاوَاهُمْ) .
أَوَّلًا: أَبْرَزُ الانْحِرَافَاتِ الْعَقَائِدِيَّةِ فِي زَمَنِ الإمَامِ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ)
١. التَّيَّارَاتُ الْغَالِيَةُ (الْغُلُوُّ فِي الْأَئِمَّةِ): ظَهَرَتْ تَيَّارَاتٌ غَالِيَةٌ ادَّعَتْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) لَدَيْهِمْ صِفَاتٌ إِلَهِيَّةٌ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْكَوْنِ، وَالإمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تَصَدَّى لَهُمْ وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ بَشَرٌ مُكَرَّمُونَ اصْطَفَاهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَمِنَ الشَّخْصِيَّاتِ الْمُغَالِيَةِ الَّتِي عَاصَرَتِ الإمَامَ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَلِيُّ بْنُ حَسَكَةَ وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ الْقَاسِمُ الْيَقْطِينِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بَابَا وَمُحَمَّدُ ابْنُ نَصِيرٍ النَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَمِمَّا رَوَاهُ الطُّوسِيُّ (….حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الْأَدَمِيُّ، قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: جَعَلْتُ فِدَاكَ، يَا سَيِّدِي إِنَّ عَلِيَّ بْنَ حَسَكَةَ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَائِكَ، وَأَنَّكَ أَنْتَ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ، وَأَنَّهُ بَابُكَ وَنَبِيكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى ذَلِكَ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّوْمَ كُلَّ ذَلِكَ مَعْرِفَتُكَ وَمَعْرِفَةُ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ ابْنِ حَسَكَةَ فِيمَا يَدَّعِي مِنَ الْبَابِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ كَامِلٌ سَقَطَ عَنْهُ الِاسْتِعْبَادُ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَكَرَ جَمِيعَ شَرَائِعِ الدِّينِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كُلَّهُ مَا ثَبَتَ لَكَ، وَمَالَ النَّاسُ إِلَيْهِ كَثِيرًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَمُنَّ عَلَى مَوَالِيكَ بِجَوَابٍ فِي ذَلِكَ تُنْجِيهِمْ مِنَ الْهَلَكَةِ.
قَالَ: فَكَتَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَذَبَ ابْنُ حَسَكَةَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَبِحَسْبِكَ أَنِّي لَا أَعْرِفُهُ فِي مَوَالِيَّ مَا لَهُ لَعْنَهُ اللهُ، فَوَاللهِ مَا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا وَالْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ إِلَّا بِالْحَنِيفِيَّةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْوَلَايَةِ، وَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَّا إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَكَذَلِكَ نَحْنُ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ وَلَدِهِ عِبَادُ اللهِ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، إِنْ أَطَعْنَاهُ رَحِمَنَا، وَإِنْ عَصَيْنَاهُ عَذَّبَنَا، مَا لَنَا عَلَى اللهِ مِنْ حُجَّةٍ، بَلِ الْحُجَّةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ أَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِمَّنْ يَقُولُ ذَلِكَ) .
هَذَا الْمَوْقِفُ يُوَضِّحُ نَهْجَ الإمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي مُوَاجَهَةِ الْغُلُوِّ وَتَأْكِيدِهِ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، مَعَ تَبْيَانِ مَقَامِ الإمَامَةِ الْحَقِيقِيِّ كَقِيَادَةٍ رَبَّانِيَّةٍ بِأَمْرِ اللهِ, وَكَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ إِبْرَازِ مَفْهُومِ التَّوْحِيدِ الصَّحِيحِ، فَكَانَ الإمَامُ يُعَلِّمُ أَتْبَاعَهُ مَفْهُومَ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ بَعِيدًا عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ.
٢. الْفِرَقُ الْمُتَصَوِّفَةُ: ظَهَرَتْ بَعْضُ الْأَفْكَارِ الصُّوفِيَّةِ الْمُنْحَرِفَةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى التَّوَكُّلِ وَتَرْكِ الْعَمَلِ وَالْإِغْرَاقِ فِي الزُّهْدِ السَّلْبِيِّ بَعِيدًا عَنِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَاجَهَ الإمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هَذِهِ التَّيَّارَاتِ وَأَكَّدَ عَلَى أَهْمِيَّةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِصْلَاحِ الاجْتِمَاعِيِّ إِلَى جَانِبِ الْعِبَادَةِ, ورَدَّ الإمَامُ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى هَذَا الْفِكْرِ قَائِلًا: ( إنَّ اللهَ جَعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ، وَمَنْ لَا يَعْمَلْ لِدُنْيَاهُ لَا يَعْمَلْ لِآخِرَتِهِ), وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ (إِنَّ اللهَ
يُحِبُّ الْجَمَالَ وَالتَّجَمُّلَ وَيَكْرَهُ الْبُؤْسَ وَالْبَائِسَ) ؛ إذ أَكَّدَ الإمَامُ(ع) عَلَى التَّوَازُنِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ وَالْإِصْلَاحِ الاجْتِمَاعِيِّ، مُحَذِّرًا مِنَ التَّطَرُّفِ فِي الزُّهْدِ أَوِ الِانْعِزَالِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْمُجْتَمَعِ.
٣. الْجَبْرِيَّةُ وَالْمُفَوِّضَةُ: انْتَشَرَتْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ أَفْكَارُ الْمُفَوِّضَةِ الَّتِي تَقُولُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ خَالِقُ أَفْعَالِهِ بِالْكَمَالِ، وَأَفْكَارُ الْجَبْرِيَّةِ الَّتِي تُنْكِرُ حُرِّيَّةَ الِاخْتِيَارِ عِنْدَ الْإِنْسَانِ.
وَأَرْسَلَ الإمَامُ الْهَادِي رِسَالَةً إِلَى أَهْلِ الْأَهْوَازِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْجَبْرِ وَالتَّفْوِيضِ وَإِثْبَاتِ الْعَدْلِ وَالْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَذَكَرَهَا بِتَمَامِهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ الْحَرَّانِيُّ فِي تَحَفِ الْعُقُولِ، وَتُعَدُّ هَذِهِ الرِّسَالَةُ الْمُفَصَّلَةُ مِنْ أَهَمِّ مَا وَرَدَ حَوْلَ إِبْطَالِ نَظَرِيَّةِ الْجَبْرِ الَّتِي تَبَنَّتْهَا الْأَشَاعِرَةُ، وَالتَّفْوِيضِ الَّتِي تَبَنَّتْهَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَحَدَّثَ الإمَامُ الْهَادِي عَنْ رَأْيِ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ ذَلِكَ مُبَيِّنًا مَوْقِفَهُمُ الْمُسَمَّى بِ (الْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) مَعَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ الدَّاعِمَةِ لَهَا.
٤. الشُّبُهَاتُ حَوْلَ الْإِمَامَةِ: كَانَتْ هُنَاكَ مُحَاوَلَاتٌ لِتَشْكِيكِ النَّاسِ فِي إِمَامَةِ الإمَامِ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ خِلَالِ الطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ أَوْ مَكَانَتِهِ الْعِلْمِيَّةَ وَالدِّيْنِيَّةَ، وَمِمَّا دَعَا إِلَى ذَلِكَ تَوَلِّيهِ الْإِمَامَةَ بِسِنٍّ مُبَكِّرَةٍ.
وَأَفْضَلُ الْأَجْوِبَةِ نَرَاهَا مَوْجُودَةً فِي زِيَارَتَيْنِ مَرْوِيَّتَيْنِ عَنِ الإمَامِ الْهَادِي عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِحْدَاهُمَا الزِّيَارَةُ الْجَامِعَةُ، وَالثَّانِيَةُ زِيَارَةُ الْغَدِيرِ، إِذْ تَضَمَّنَتِ الْأُولَى مَفَاهِيمَ كَثِيرَةً، مِنْهَا:
الْمَفْهُومُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ الْأَصْفِيَاءُ وَأَنَّهُمُ الدُّعَاةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى
جَاءَ فِي الزِّيَارِ الْجَامِعَةِ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ رِسَالَةٍ وَمُخْتَلَفَ الْمَلَائِكَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخَزَانَ الْعِلْمِ وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ وَأُصُولَ الْكَرَمِ وَقَادَةَ الْأُمَمِ وَأَوْلِيَاءَ النَّعِيمِ وَعَنَاصِرَ الْأَبْرَارِ وَدَعَائِمَ الْأَخْيَارِ وَسَاسَةَ الْعِبَادِ وَأَرْكَانَ الْبِلَادِ وَأَبْوَابَ الْإِيمَانِ وَأُمَنَاءَ الرَّحْمَنِ وَسَلَالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتِ).
المفهوم الثاني: بيان الأسس الفكرية والعقائدية للتشيع
قال عليه السلام واصفاً أهلَ البيت عليهم السلام: (…. وَأَرْكَانًا لِتَوْحِيدِهِ، وَشُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَعْلَامًا لِعِبَادِهِ، وَمَنَارًا فِي بِلَادِهِ، وَأَدِلَّاءَ عَلَى صِرَاطِهِ، عَصَمَكُمُ اللَّهُ مِنَ الزَّلَلِ، وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ، وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ، وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيرًا, فَعَظَّمْتُمْ جَلَالَهُ، وَكَبَّرْتُمْ شَأْنَهُ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ، وَأَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ، وَوَكَّدْتُمْ مِيثَاقَهُ، وَأَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طَاعَتِهِ، وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَدَعَوْتُمْ إِلَى سَبِيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَبَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي مَرْضَاتِهِ، وَصَبَرْتُمْ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِي جَنْبِهِ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجَاهَدْتُمْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، حَتَّى أَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ، وَبَيَّنْتُمْ فَرَائِضَهُ، وَأَقَمْتُمْ حُدُودَهُ، وَنَشَرْتُمْ شَرَائِعَ أَحْكَامِهِ، ……..إلخ ).
وَأَمَّا زِيَارَةُ الْغَدِيرِ فَتَضَمَّنَتِ معَانِيَ كثيرةً منها:
1. أَسْبَقِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَجَاهَدَ وَأَبْدَى صَفْحَتَهُ فِي دَارِ الشِّرْكِ وَالْأَرْضُ مَشْحُونَةٌ ضَلَالَةً وَالشَّيْطَانُ يُعْبَدُ جَهْرَةً) .
2. جِهَادُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَشَجَاعَتُهُ، حَيْثُ ذُكِرَتْ غَزَوَاتُهُ فِي الزِّيَارَةِ مَعَ الرَّسُولِ (صلَّى الله عليه وآله).
ثَانِيًا: أَسَالِيبُ الْإِمَامِ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي مُوَاجَهَةِ الْانْحِرَافَاتِ الْفِكْرِيَّةِ
1. الْمُنَاظَرَاتُ الْفِكْرِيَّةُ وَالْعِلْمِيَّةُ: دَخَلَ الْإِمَامُ (ع) فِي مُنَاظَرَاتٍ مَعَ الْمُفَكِّرِينَ وَالْعُلَمَاءِ مِنْ مُخْتَلَفِ الْفِرَقِ وَالِاتِّجَاهَاتِ الْفِكْرِيَّةِ، وَأَشْهَرُ مُنَاظَرَاتِهِ كَانَتْ مَعَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُفَكِّرِينَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ, معتمداً بذلك كما يقول سماحة الشيخ المرجع اليعقوبي على( لُغَةِ الْحِوَارِ وَالدَّلِيلِ وَالْإِقْنَاعِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُعَانِدِينَ وَالْمُدَّعِينَ وَأَصْحَابِ الشُّبُهَاتِ وَالضَّلَالَاتِ وَمُقَارَعَةِ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ، مَا لَمْ يَنْتَقِلِ الطَّرَفُ الْآخَرُ إِلَى الْعَمَلِ الْمُسَلَّحِ الَّذِي يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ، أَوْ يَكُونَ خَطَرُهُ عَظِيمًا بِأَنْ يَنْسِبَ الْفِتَنَ وَالْبِدَعَ الَّتِي يَفْتَرِيهَا مِنْ عِنْدِهِ إِلَى نَفْسِ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ وَإِلَى مَدْرَسَتِهِمُ الشَّرِيفَةِ) .
2. الرَّسَائِلُ وَالْكُتُبُ: كَتَبَ الْإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَسَائِلَ إِلَى أَتْبَاعِهِ وَشَخْصِيَّاتٍ عِلْمِيَّةٍ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ وَشَرْحِ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، مِنْ أَشْهَرِ الرَّسَائِلِ: الرَّدُّ عَلَى الْغُلَاةِ وَالْمُفَوِّضَةِ.
3. تَرْبِيَةُ جِيلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ: رَكَّزَ الامام عليه السلام عَلَى إِعْدَادِ جِيلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ فِكْرَهُ الصَّحِيحَ، وَكَانَ مِنْهُمْ: عَبْدُ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النِّيسَابُورِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيُّ.
4. تَوْضِيحُ مَفْهُومِ الْإِمَامَةِ: أَكَّدَ الْإِمَامُ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّ الْإِمَامَةَ مَنْصِبٌ إِلَهِيٌّ، وَأَنَّ الْإِمَامَ خَلِيفَةُ اللهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنَّ الطَّاعَةَ لَهُ وَاجِبَةٌ.
5. تَأْسِيسُ نِظَامِ الْوُكَلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَشِرُونَ فِي الْأَمْصَارِ.
ثَالِثًا: مِنْ كَلِمَاتِهِ وَمَوَاعِظِهِ:
1. حُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ: إنَّ الْإِمَامَ أَرْسَلَ إِلَى أَحَدِ أَصْحَابِهِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَزُورَ الْإِمَامَ الْحُسَيْنَ (ع) وَيَدْعُوَ لَهُ، فجَاءَ فِي كَلَامِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ الرَّسُولَ ص:(أَلَا قُلْتَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ(ص) كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَحُرْمَةُ النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْتِ، وَأَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَوَاطِنُ يُحِبُّ اللهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُدْعَى اللهُ لِي حَيْثُ يُحِبُّ اللهُ أَنْ يُدْعَى فِيهَا) .
2. حَثُّ النَّاسِ عَلَى زِيَارَةِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ: وَفِي ذَلِكَ تَحَدٍّ صَرِيحٌ لَلمتوكَل؛ إِذْ أَقْدَمَ عَلَى هَدْمِ قَبْرِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذْ كَانَ يَتَحَرَّقُ غَيْظًا مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ تَهَافُتِ النَّاسِ عَلَى زِيَارَةِ هَذَا الْقَبْرِ الشَّرِيفِ. كَمَا هَدَمَ كُلَّ بِنَاءٍ حَوْلَ الْقَبْرِ وَأَجْرَى الْمَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ الْمَاءَ دَارَ حَوْلَ الْقَبْرِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِالْحَائِرِ. وَمَنَعَ الْمُتَوَكِّلُ رَسْمِيًّا الْمُسْلِمِينَ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ رَيْحَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَسَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنْزَلَ الْعُقُوبَةَ بِالزَّائِرِينَ وَالَّتِي تَمَثَّلَتْ فِي الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الْأَيْدِي.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز



