
الحلقة العاشرة: خناجر الاستعمار الغربي في كربلاء… وثيقة يكشفها مقتل الإمام الحسين عليه السلام ويجددها الاستكبار العالمي ضد الإسلام المحمدي الأصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾
لا تزال واقعة الطف شاهدة حية على أن المعركة بين الحق والباطل لم تكن يوما صراعا داخليا معزولا، بل كانت وستبقى امتدادا لمؤامرات القوى الاستعمارية العالمية التي تتلبس أثوابا مختلفة، لكنها تحمل ذات الحقد التاريخي على المشروع الرباني، وعلى القيادة الإلهية، وعلى كل نهج أصيل يهدد عروش الطغاة.
إن سؤال “من قتل الحسين عليه السلام؟” يبدو في ظاهره سهلا؛ فيقال: الشمر، أو عمر بن سعد، أو يزيد بن معاوية، ولكن إذا تعمقنا في قراءة الأحداث، كما كشف الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره، نجد أن هذه الأسماء ليست سوى واجهات لأصابع الاستعمار الممتدة من قلب أوروبا إلى جسد الأمة الإسلامية.
لقد بين السيد الشهيد الصدر بوضوح أن الدولة البيزنطية، وريثة الاستعمار الروماني، لعبت دورا خفيا وخطيرا في صياغة أحداث عاشوراء؛ فالمستشار المسيحي سرجون، عميل بيزنطة المزروع في بلاط معاوية ويزيد، لم يكن مجرد موظف، بل كان عينا من عيون الاستعمار، وأداة من أدوات الهيمنة، خطط بدهاء ليكون له الدور الحاسم في قرار قتل الحسين عليه السلام عبر اقتراحه تعيين عبيد الله بن زياد واليا على الكوفة، وهو ما مهد للمجزرة العظمى في كربلاء.
وليست هذه حادثة عابرة؛ بل هي وثيقة تاريخية دامغة تثبت أن الاستعمار الغربي، منذ قرون، يتدخل في شؤون الأمة ويزرع عملاءه بيننا، تماما كما نرى اليوم الدور الأمريكي والغربي في إذكاء الفتن بكل أنواعها وتعدد مسمياتها، ودعم الكيان الصهيوني، وتمويل الحركات المتطرفة التي تتظاهر بالإسلام لمحاربة الإسلام المحمدي الأصيل.
ما أشبه الليلة بالبارحة؛ بالأمس قتلوا فلذة كبد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، تحت شعار “الدفاع عن الدولة” وأنه خارجي، واليوم يقتلون القيادات الربانية تحت شعار “حماية الديمقراطية” أو “مكافحة الإرهاب”. وبالأمس كانت بيزنطة تحرك المستشارين وتشتري الذمم، واليوم تحرك واشنطن ولندن وتل أبيب عملاء الداخل، سواء كانوا في مواقع السلطة أو يختبئون خلف عباءات الدين.
علينا أن نميز أدوات القتل من القاتل الحقيقي؛ فلا يكفي أن نلعن الشمر ويزيد، بل يجب أن نتتبع خيوط الجريمة لنكشف محركيها الدوليين، وأن نفضح امتداد المشروع الاستعماري الحديث الذي يشن حروبه على كل داعية حقيقي لإيجاد نهضة إسلامية، تكون أسسها ومعدنها كربلائيا، وعلى كل صوت حر يرفع راية الحق في وجه الاستكبار العالمي.
لقد كشفت الأحداث بوضوح أن العراق وفلسطين ولبنان واليمن، وأخيرا المواجهة المباشرة بين إيران والكيان الصهيوني، تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه؛ ذات الاستعمار، ذات الحقد، وذات أدوات التضليل، والضحية هو ذات المشروع الرباني الذي قاده الإمام الحسين عليه السلام، ويحمله اليوم أبناء مدرسة: كد كيدك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا.
يا أبناء الأمة… كما قال السيد الشهيد الصدر: لا تغتروا بالظاهر، ولا تكتفوا بلعن الأداة، بل واجهوا الرأس المدبر، واقطعوا أذرع الاستعمار المزروعة في جسد الأمة بالوسائل المتاحة، مع تجنب المزيد من الخسائر في صفوف المؤمنين، وكونوا على وعي تام بأن كل خنجر غدر في خاصرة الإسلام، سواء كان من طاغية، أو جماعة متطرفة، بل وحتى التشكيلات السياسية التي تعبث بمقدرات وثروات البلدان، يقف وراءها مخطط استعماري يريد كربلاء جديدة في كل يوم؛ فإما أن نصحو ونفكك المؤامرة، أو نعيش الذل والهوان.
أيها الجمهور الحسيني الكريم… إن كربلاء وعي وبصيرة، وأمل وعمل، وإصرار على تحقيق الأهداف التي سعى الركب الحسيني لإعلانها، ووضع شعاراتها، ويمدها بدمائه التي ضخها في جسد هذه الأمة؛ فكربلاء ليست مجرد دموع وعواطف ظاهرية، بل دموعنا هي الأنهار التي تطفئ النيران التي أوقدتها حروبهم، وبهذا نطفئ خيام العقيلة زينب عليها السلام.
دموعنا هي مياه المعرفة التي يحتاجها كل جمهور الإمام الحسين عليه السلام؛ صغارا وكبارا، نساء ورجالا، خطباء وشعراء ورواديد، واعين وبسطاء، أبحروا أو لا زالوا واقفين ينظرون إلى الماء من بعيد.
فالذي يفهم كربلاء بهذا الوعي، فهو يسقي رضيع الحسين عليه السلام ماء، ويغترف من قربة العباس رشفة من ماء معين.
نعم، نلطم، ونضع أيدينا على الصدور، عهدا منا لسيد الشهداء أننا سنحمل رسالتك للعالم أجمع، ونكون أنصارا أوفياء بالتزامنا بهذا العهد.
ونزور لنجدد العهد، ونستزيد من منهج الحسين عليه السلام، ونجعلها سببا لتقييم أحوالنا وتقويم الانحراف عن مسير الأهداف والوسائل.
ومسيراتنا الراجلة لمرقده الشريف في الأربعينية، هي تسابق لنيل الأوسمة التي شجعنا على نيلها أصحاب الحسين عليه السلام وأهل بيته الكرام.
ونقدم النذور لنقول لأبي عبد الله الحسين عليه السلام: لن تعيقنا الخطوب عن الإنفاق في سبيل إحياء نهجك؛ فما نقدمه من مال شيء لا قيمة له، ولكننا ندرب أنفسنا ألا يعيقنا المال عن التضحية؛ فإن الله تعالى قال:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: 111]
ونسخر الأهل والأولاد في هذه الخدمة، بل ترى الآباء والأمهات يستبسلون في خدمته، لنقول له سلام الله عليه: بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ومالي وولدي.
نعم، الحسين عليه السلام علمنا الكرم والكرامة، وعلمنا الغيرة والشهامة، والتعاون والتسامح والمحبة، ونشر الخير والكلمة الصادقة، والتضحية بالغالي والنفيس من أجل المبادئ والقيم.
ويجب أن يكون موسم عاشوراء الجديد مختلفًا عن كلّ عام؛ حيث تحيي الملايين تلك الذكرى العظيمة، وهنا تكمن الفرصة، بل الواجب العظيم؛ هو كما أسلفنا، تحويل الشعائر المقدسة إلى منبر وعي، لا مجرد طقوس سطحية.
علينا أن نعيد للعزاء الحسيني بعده القرآني العميق، كما قال تعالى:
﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]
فالبصيرة واجبة، وبدونها تصبح الشعائر موسما عاطفيا فارغا، بدل أن تكون ثورة روحية وشعبية توقظ المجتمعات على خطر المشروع الاستعماري الحديث.
ولذلك، هذا العام يجب أن تكون مسيراتنا، خطباؤنا، مواكبنا، ومجالسنا، محطات لتعرية الاستكبار العالمي، وكشف الدور الخبيث لأمريكا والكيان الصهيوني وأتباعهم في الداخل، تماما كما فعل سيد الشهداء عليه السلام حين كشف زيف السلطة الأموية، وفضح العملاء والخونة، وقدم دمه الطاهر قربانا لاستنهاض الأمة.
وهكذا يتضح أن القضية لم تكن مجرد صراع داخلي بين بني أمية وأهل البيت عليهم السلام، بل كانت حربا على الإسلام الأصيل، تقودها أطراف خارجية، تستعين بعملائها في الداخل، وتستخدم الدين والسلطة غطاء لتنفيذ مخططاتها، تماما كما نشهد اليوم تدخل أمريكا، والكيان الصهيوني، وحلفائهم من القوى الغربية، عبر أدواتهم المتعددة السياسية والعسكرية المتلونة، تتظاهر تارة بالوطنية، وتارة بالدين، وأخرى بالإنسانية، أو التنمية الاقتصاديّة، بينما تنفذ مخططات الاستكبار المقيت .
أيها الأحبة، لا تضخموا عدوكم إلى حد الرهبة منه، ولا تتجاهلوه إلى حد الغفلة عنه، ألم يقل الله تعالى:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: 46]
إنه المكر الذي يزيح الجبال، فكيف لا يزعزع المجتمعات، ويدمر الأوطان، ويستهدف القيادات الربانية؟
وختاما، أقول: إن الحسين عليه السلام يشكل الخطر الأكبر على جميع الأعداء، ويمثل لنا القلب النابض بالحياة، والعقل المدبر لميادين العمل في جميع الحقول وعلى كل الأصعدة، والروح التي لا وجود دونها؛ لذا يستهدفه الاستعمار جيلا بعد جيل، وينصره الأخيار، ويفعلون ما يظنه العدو مستحيلا، ولكننا نقول لهم:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83]
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]
الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
يوم الأربعاء المصادف ٢٠٢٥/٦/٢٥
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز