
كتب د. سعد عزت السعدي: يُعدّ مجلس الاتحاد من أهم المؤسسات التي نصّ عليها الدستور العراقي الدائم لعام 2005 ضمن هيكل السلطة التشريعية، إذ يمثل الركيزة الثانية للسلطة التشريعية الاتحادية إلى جانب مجلس النواب.
غير أنّ المجلس، ورغم مرور ما يقارب العقدين على صدور الدستور، لم يُنشأ فعلياً حتى اليوم، الأمر الذي أثار إشكاليات دستورية وسياسية تتعلق بمدى تفعيل مبدأ التوازن بين السلطات، ومبدأ التمثيل الاتحادي للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
نصّ الدستور العراقي في المادة (48) على أن السلطة التشريعية الاتحادية تتكون من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الاتحاد.
كما أكدت المادة (65) على أن مجلس الاتحاد يُنظّم بقانون يُسنّ بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، على أن يضمّ ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، إلا أنّ هذا النصّ بقي معلّق التطبيق، نظراً لعدم صدور القانون المنظّم للمجلس حتى الآن، ما جعل النظام التشريعي العراقي عملياً أحاديّ المجلس وليس ثنائيّاً كما أراده الدستور، وحيث أن الطبيعة القانونية لمجلس الاتحاد هي غرفة تمثيلية عليا في النظام التشريعي، على غرار مجلس الشيوخ في الأنظمة المقارنة (كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة).
ويهدف هذا المجلس إلى تحقيق توازن في التمثيل بين الكيان الاتحادي (الدولة) والوحدات المكوِّنة له (الأقاليم والمحافظات)، بما ينسجم مع الطبيعة الاتحادية للدولة العراقية التي نصت عليها المادة (1) من الدستور.
والتكوين والاختصاصات المحتملة لمجلس الاتحاد يمكن بيانه ورغم غياب القانون المنظّم، فإنّ الفقه الدستوري العراقي والاجتهادات الأكاديمية تقدّم تصورات واضحة لتكوين المجلس واختصاصاته.
يتكوّن من عدد متساوٍ من الأعضاء يمثلون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، بغض النظر عن حجمها السكاني، يختار الأعضاء إما عن طريق المجالس المحلية أو بالتعيين من قبل السلطات الإقليمية أو عبر الانتخاب غير المباشر.
وأما اختصاصات هذا المجلس مراجعة التشريعات الصادرة عن مجلس النواب والتي تمسّ الصلاحيات الإقليمية، إبداء الرأي في القوانين ذات البعد الاتحادي (مثل النفط والغاز، توزيع الثروات، النظام المالي)، تسوية الخلافات التشريعية بين المركز والأقاليم، إقرار بعض التعيينات أو الاتفاقيات ذات الطابع الاتحادي.
ولعل من الإشكاليات القانونية والسياسية التي يخلفها عدم تأسيس هذا المجلس:
•إخلال بمبدأ الثنائية التشريعية: وهو أحد ركائز النظام الاتحادي.
•هيمنة مجلس النواب: مما يؤدي إلى تركيز السلطة التشريعية بيد مؤسسة واحدة، قد لا تعبّر دائماً عن مصالح المحافظات والأقاليم.
•تعطيل بعض النصوص الدستورية: كالمادة (65) التي ما زالت غير منفذة، ما يمثّل خرقاً لمبدأ سمو الدستور ووجوب تنفيذه.
•غياب التوازن الاتحادي: إذ لم تتحقق المشاركة الفعلية للوحدات المحلية في التشريع الوطني.
وبالمقارنة مع الأنظمة الفدرالية الأخرى التي تعتمد ثنائية المجلس، نجد أن هذا التشكيل يُعدّ وجوده تمثيلي للأقاليم أمراً جوهرياً، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يمثل مجلس الشيوخ كل ولاية بعضوين بغضّ النظر عن عدد السكان، وفي ألمانيا يقوم مجلس الولايات (البوندسرات) بتمثيل مصالح الولايات في التشريعات الاتحادية.
بينما في العراق ما يزال هذا المبدأ غير مطبّق، ما يضعف الطبيعة الاتحادية المنصوص عليها دستورياً.
ومن أهم المسببات التي تحتم ضرورة تفعيل مجلس الاتحاد هي:
•الإسراع في تشريع قانون مجلس الاتحاد وفق المادة (65) وبالتوافق بين القوى السياسية.
•ضمان استقلالية المجلس ومنحه صلاحيات رقابية وتشريعية حقيقية.
•توزيع عادل للمقاعد بين المحافظات والأقاليم لتكريس مبدأ المشاركة.
•تحديد آليات التنسيق بين المجلسين لضمان الانسجام التشريعي ومنع التعارض في القوانين.
ولا شك في أن مجلس الاتحاد، يمثل حجر الزاوية في استكمال البناء الدستوري العراقي وتحقيق المبدأ الاتحادي الذي اختاره الدستور، وبقاء هذا المجلس غير مُنشأ حتى الآن يُعدّ خللاً جوهرياً في النظام السياسي، ويستوجب من المشرّع الإسراع بتشريعه كخطوة نحو تفعيل التوازن الدستوري، وضمان تمثيل عادل لجميع مكونات العراق في صنع القرار الوطني.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز



