
انشغلت الأوساط الطبية والإعلامية بمصطلح جديد يُعرف بـ”ذهان الذكاء الاصطناعي”، بعدما سجّلت تقارير عدة حالات لمستخدمين فقدوا ارتباطهم بالواقع إثر قضاء ساعات طويلة في محادثات مع روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فإن هذا المصطلح لا يُعَد تشخيصاً طبياً معتمداً، لكنه أصبح وصفاً دارجاً لحالات من الأوهام والمعتقدات الخاطئة، بما في ذلك delusions of grandeur (أوهام العظمة)، والمشاعر البارانويدية، أو الاعتقاد بامتلاك قوى خارقة، نتيجة اعتماد المستخدمين على المحادثات المطوّلة مع روبوتات الذكاء الاصطناعي.
وغالباً ما يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى هذه الأدوات بحثاً عن دعم نفسي أو استشارات رخيصة الثمن، قبل أن تتحول التجربة إلى اضطراب عقلي خطير.
شهادات وتجارب شخصية
قصص المستخدمين المتأثرين التي رصدتها الصحيفة كشفت خطورة الظاهرة، بينهم “هيو” من اسكتلندا، الذي استخدم شات جي بي تي للحصول على نصائح في قضية عمل، ليجد نفسه مقتنعاً بأنه سيصبح مليونيراً بفضل “مؤامرة كونية” صاغها له الذكاء الاصطناعي.
ومع مرور الوقت، ترسخت لديه قناعة أنه يمتلك “معرفة خارقة”، قبل أن ينهار تماماً ويفقد صلته بالواقع.
ويقول هيو اليوم: “الأداة لم تعارضني يوماً، كانت تدعّم كل ما أظنه، حتى أنني ألغيت مواعيدي مع الاستشاريين لأنني صدّقت أن كل ما أحتاجه موجود في المحادثة”.
كما نقلت تقارير أخرى أن مستخدمين باتوا مقتنعين بأن روبوتات مثل شات جي بي تي وغروك “أحبتهم بصدق”، أو أنها كشفت لهم أسراراً خاصة بالكون، بينما وصفت إحدى السيدات تجربتها بأنها تعرّضت لـ”إساءة نفسية” من طرف الذكاء الاصطناعي في إطار “تجربة تدريب سرية”.
تحذيرات الخبراء
من جانبه، حذّر مصطفى سليمان، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، في منشورات على منصة إكس من خطورة ما وصفه بـ”الذكاء الاصطناعي الذي يبدو وكأنه واعٍ”، مضيفاً: “رغم عدم وجود أي دليل على وعي حقيقي للذكاء الاصطناعي، فإن مجرد إقناع الناس بامتلاكه للوعي كافٍ لجعلهم يتعاملون معه كواقع”.
في نفس السياق، رأت الطبيبة والباحثة سوزان شيلمردين أن هذه الظاهرة قد تُجبر الأطباء مستقبلاً على سؤال مرضاهم عن مقدار استخدامهم للذكاء الاصطناعي، تماماً كما يُسألون اليوم عن التدخين والكحول، ووصفتها بأنها “تدفّق من العقول فائقة المعالجة، مثلما تفعل الأغذية فائقة التصنيع بالجسد”.
خطر اجتماعي متزايد
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 700 مليون شخص يستخدمون شات جي بي تي أسبوعياً، ما يعني أن حتى نسبة صغيرة من المتأثرين يمكن أن تمثل عدداً كبيراً على مستوى العالم.
ووفقاً لبحث حديث بجامعة Bangor، يرى 20% من المشاركين أن على من هم دون الـ18 عاماً الابتعاد عن هذه الأدوات، بينما اعتبر نصف المستطلعين تقريباً أن من “غير المناسب” أن يعرّف الذكاء الاصطناعي نفسه على أنه إنسان حقيقي.
توصيات الخبراء
حذّر الأطباء النفسيون من أن خطورة الظاهرة لا تكمن فقط في الأوهام، بل في العزلة عن المجتمع البشري والاعتماد الكامل على أدوات اصطناعية للتواصل والدعم.
وأكدوا أن الحل يكمن في الموازنة، أي استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة، لا كبديل عن العلاقات الإنسانية.
ونصح الخبراء أي مستخدم يشعر بالانجراف وراء أوهام رقمية بالتواصل مع الأصدقاء أو الأسرة أو معالج نفسي لتأكيد الارتباط بالواقع.