اخبار اسلامية
أخر الأخبار

بإمامة الشيخ حسين المندلاوي.. خطبتا صلاة الجمعة في خانقين

أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بمسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى (ع) في خانقين/منطقة علي مراد، بإمامة الشيخ حسين المندلاوي، وحضور جمع مبارك من الإخوة المؤمنين.

 

وفيما يلي نص خطبتي صلاة الجمعة، بعنوان “في ذكرى وفاة النبي محمد (ص) وقفة في أبرز وصاياه”، وتابعتهما “النعيم نيوز”:

في ذكرى وفاة الرسول (ص): بعضُ وصاياه للمسلمين

 

قال الله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: 144]. صدق الله العظيم.

ذكرى وفاة نبي الرحمة

 

في الثامن والعشرين من شهر صفر، تأتي ذكرى وفاة نبي الرحمة، وقائد الخير، محمد بن عبد الله (ص)، اليوم الذي غادر فيه رسول الله (ص) الدنيا، تاركاً وراءه لوعةً وألماً وحزناً في قلوب المؤمنين.

وقد فقد المسلمون بغيابه من كان الصِّلة بينهم وبين الوحي وأخبار السَّماء، ومن أخرجهم من ظلمات الجهل والتخلّف والعبوديّة، إلى نور العلم والوعي وهدى الإيمان، وكان لهم بمثابة الأب الحاني والمعلّم والمربّي، فقد كان (ص) في علاقته بهم، رغم سموِّ منزلته، وعظيم شأنه وموقعه عند ربِّه، كان كما أخبر الله عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ}[آل عمران: 159]، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]، لا يُرَى إلَّا مبتسماً ومتواضعاً، حنوناً، يجالس الجميع الصغير والكبير، ولم يكن يميز نفسه عنهم، حتى إن القادم كان عندما يأتي إلى المكان الذي يتواجد فيه، يسأل أيكم محمد، كان يتفقد أحوال أصحابه، فإن لم ير أحدهم ثلاثاً يطلب أخباره، فإذا كان مريضاً يعوده، وإذا كان مبتلى يساعده.

وكان يوزِّع نظراته بين الحاضرين، ويحسن الإصغاء إلى محدِّثه، لا يلوي عن أحد وجهه، يكره الجلوس فيما يخدمه الآخرون، وكان شديد التواضع، حتى إنه عندما جاءه رجل، وأخذته الرعدة بين يديه، قال له النبي (ص): “هوِّن عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد”.

ولذلك أحبه أصحابه حبّاً لا يدانيه حبّ سوى حبِّ الله، حبّاً يتقدَّم على حبّ الولد والوالد والزوج والزوجة وحبّ المال، وكانوا لا يطيقون فراقه، فما إن يفارقه أحدهم، حتى يسارع إلى العودة إليه، كي لا يفوته شيء من فضله وعلمه، يذكر أنَّه وصل إليه أحد أصحابه وهو يبكي لأنَّه سيفارقه في الآخرة، لعلوّ منزلته (ص) عنه، ولم يهدأ هذا الرَّجل حتى بشّره رسول الله (ص): “فإنَّ المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحبّ”.

نعم، كان وقع غياب رسول الله شديداً في قلوب المسلمين، لكن رغم عظمة هذا المصاب، استمر الإسلام واشتد عوده وانتشر في الأصقاع.

وهو (ص) لم يكن ليترك أمَّته من دون أن يقدِّم لها ما تحتاجه في إكمال مسيرة الإسلام من وصايا حول علاقة المسلمين بعضهم ببعض، والمهمات التي تنتظرهم، وكلّ ما يقيها من الفتن والضّلال والانحراف الّذي قد يحصل من بعده، ولا سيما وصيته في من يتولى أمر الأمة، والجدير بحمل أمانة ولاية الأمة وحفظها، وهو أمير المؤمنين عليّ (ع).

ونحن اليوم، وبهذه المناسبة، سنتوقف عند بعض وصاياه الأخيرة، وهذه الوصايا لها أهميتها، كونها تشير إلى ما كان يشغل بال رسول الله (ص) في تلك اللحظات، مما حرص على الإلفات إليه قبل أن يغادر الحياة.

من وصايا الرسول (ص)

 

وصيَّته الأولى: عندما وقف بين النّاس قائلاً: “أيّها النَّاس، والله ما من شيء يقرِّبكم من الجنَّة ويباعدكم من النّار، إلَّا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقرِّبكم من النّار ويباعدكم من الجنَّة، إلَّا وقد نهيتكم عنه”… “إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربّكم”… “لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض”… “أيُّها النَّاس، إنَّ ربَّكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلُّكم لآدم وآدم من تراب، إنَّ أكرمَكم عند الله أتقاكم، وليس لعربيّ على أعجميّ فضلٌ إلا بالتَّقوى. ألا هل بلَّغت؟ اللَّهمَّ اشهد!. قالوا: نعم. قال فليبلِّغ الشَّاهدُ الغائب”.

ووصيَّته الثانية التي جاءت بعدما بلغه أنَّ الناس، رجالاً ونساءً، تبكيه لدنوّ أجله، بعدما علموا باشتداد مرضه، حينها جاء متوكِّئاً على عليّ (ع) وعمّه العباس، ووقف قائلاً لهم: “أمَّا بعد، أيّها الناس، فماذا تستنكرون من موت نبيّكم؟! ألم ينع إليكم نفسه وينع إليكم أنفسكم؟! أم هل خُلِّد أحد ممّن بعث قبلي فيمن بعثوا فأخلد فيكم؟ ألا إنّي لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله بين أظهركم، تقرؤونه صباحاً ومساءً، فيه ما تأتون وما تدَّعون، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله، ألا ثمّ أُوصيكم بعترتي أهل بيتي، أن لا تفترقوا عنهم أبداً حتى تقوم السّاعة”.

أمّا الوصية الثّالثة، فقد حصلت عندما دخل إليه الفضل بن العباس وهو في شدَّة مرضه، فقال له: شدّ هذه العصابة، فشدَّها، وهي عصابة كان يضعها عند اشتداد الوجع عليه. ثم قال له: “أريد يدك”، فأخذ يده اليمنى، فانتهض حتى دخل المسجد، فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: “أيّها النّاس، إنَّه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، وإنما أنا بشر، فأيما رجل كنت قد أصبت من بشره شيئاً، فهذا بشري فليقتصّ، وأيما رجل كنت أصبت ماله، فهذا مالي فليأخذ، واعلموا أنَّ أولاكم بي رجلٌ كان له من ذلك شيء، فأخذه أو حلّلني، فلقيت ربي وأنا محلّل لي، ولا يقولنّ رجل: إني أخاف العداوة والشحناء من رسول الله (ص)، فإنهما ليستا من طبيعتي ولا من خلقي، ومن غلبته نفسه على شيء، فليستعن بي حتى أدعو له”.

فقام إليه رجل فقال له – وهنا لاحظوا كيف علّم رسول الله أصحابه أن يتحدَّثوا معه بحرية رغم معرفتهم بموقعه – كنتَ مارّاً يا رسول الله ذات يوم في بعض أزقّة المدينة، وكنت تركب ناقتك، فامتنَعَت عليكَ، فأومأت لها بالسّوط، وأصاب جسدي، وأريد أن اقتصّ منك، فأمر رسول الله (ص) أن يؤتى بالسّوط الذي كان يستخدمه يومها، حتى يكون عادلاً في الحكم، فيقتصّ الرَّجل بالسَّوط نفسه، أعطى الرّجل السّوط، وكشف له رسول الله عن موضع القصاص في جسده الشَّريف، وقال له اقتصّ، ولكنَّ الرَّجل بدلاً من أن يقتصّ، راح يقبِّل موضع القصاص ويقول: “أعوذ بموضع القصاص من جسد رسول الله من النّار”، فقال له النَّبيّ (ص): “أتقتصّ أم تعفو؟”، فقال: “بل أعفو”، عندها قال النَّبيّ (ص): “اللّهمَّ اعف عنه كما عفا عنّي”.

منهجُه (ص) في الحكم

 

لقد أراد رسول الله (ص) من خلال ذلك، أن يرسم منهجاً لكلِّ حاكم، حدّده بنقاط ثلاث:

الأولى: أن يكون كلّ همّه أن لا يغادر الدنيا وعليه تبعة للنَّاس، بأن يكون قد ظلمهم بنهب أموالهم، أو إفساد حياتهم، أو الإساءة إلي مقدَّراتهم، حيث أراد لقاء ربِّه وليس لأحد من الناس أيّ حقّ له عليه (ص)، وكان مستعدّاً لتلقّي القصاص على ذلك، لأنَّ القصاص إن لم يحصل في الدنيا، وهو ينبغي أن يحصل، فسيحصل عندما يقف النَّاس لربّ العالمين، حيث العقاب شديد.

وقد ورد في الحديث: “يوم المظلوم على الظالم، أشدّ من يوم الظالم على المظلوم”.

الثانية: أن يكون الحاكم ومن هو في موقع المسؤوليّة شفّافاً مع الناس، وأن يقدِّم حسابه لهم ويتقبَّل نقدهم.

ففي منطق رسول الله (ص)، ليس هناك من أحد فوق النّقد أو فوق القانون، وحتى لو كان موقعه بحجم موقع رسول الله (ص)، وليس من الناس من له هذا الموقع، وإلى هذا، كان يدعو عليّ (ع) تلميذ رسول الله (ص) في تعامل الناس معه كحاكم: “فلا تكلّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفَّظوا مني بما يتحفَّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظامٍ لنفسي لما لا يصلح لي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل”.

الثّالثة: أراد وهو في شدَّة المرض أن يؤكِّد ضرورة اقتران قول الحاكم والمسؤول بالعمل، فلا يكون مصداقاً للآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصفّ: 2 -3].

وفاته (عليه الصلاة والسلام)…

 

لقد التَحَقَ الْمُصطَفَى بالرَّفِيقِ الأعلى، وحُبُّه في قلوبِنَا مَغْرُوسٌ وسِيرَتُه وشَرِيعَتُه في الجوارحِ والنُّفوسِ، والحُبُّ الصَّادَقُ يَكونُ بالإتِّباعِ لا الابتِدَاعِ، وَبِمَحَبَّةِ سُنَّتِهِ ونُصْرَةِ شَرِيعَتِه، فَمَنْ أَحَبَّ لِقَاءَهُ فَليتَّبِعْ سُنَّتَهُ إلى يومِ الدِّينِ: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آل عمران: 31].

لَقد كَانَ رَسُولُنا اللهُ -عليهِ الصَّلاةُ وَالسَلامُ- حَرِيصَاً علينا عَقِيدَةً وعِبَادَةً، وسُلُوكاً وَمَنْهَجَاً، فَمَا أصْدَقَهُ وأَنْصَحَهُ، حقَّاً: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 12 )

وأمّا عليّ بن أبي طالب (ع) وأهل بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسول (ص) ودفنه، فقد غسّله عليّ من دون أن ينزع قميصه وأعانه على ذلك العباس بن عبد المطلب ابنه والفضل وكان يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً(5).

ثم وضعوا جسد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على سرير وقال علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون. وأوّل من صلى على النبي (صلَّى الله عليه وآله) علي (عليه السلام) وبنو هاشم ثم صلّت الأنصار من بعدهم(6).

ووقف علي (عليه السلام) بحيال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما اُنزل إليه ونصح لأُمته وجاهد في سبيل الله حتى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل الله إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان(8).

وحفر قبر للنبي (صلَّى الله عليه وآله) في الحجرة التي توفي فيها، وحين أراد علي (عليه السلام) أن ينزله في القبر نادت الأنصار من خلف الجدار: يا علي نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله، فقال (عليه السلام): ليدخل أوس بن خولي، وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف.

ونزل عليّ (عليه السلام) إلى القبر فكشف عن وجه رسول الله ووضع خدّه على التراب، ثم أهال عليه التراب.
ولم يحضر دفن النبي (صلَّى الله عليه وآله) والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين ذهبوا إلى السقيفة.

تجديدُ العهد

 

في ذكرى وفاة رسول الله، لنوجِّه قلوبنا إلى مقام رسول الله (ص)، لنقول له ما قال له (ع): “بأبي أنت وأمّي، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوَّة والأنباء وأخبار السَّماء، ولولا أنّك أمرت بالصَّبر ونهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشّؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً، وقلّا لك…”.

ولنجدِّد بعد ذلك عهدنا له بأنَّنا سنتابع السَّير على هدى سيرته، وأن نعمل بما جاء به، لا نبدّل تبديلاً، وأن نبذل كلَّ ما نستطيع لنوصل صوت رسالته إلى أبعد مدى ممكن، فلا ننقلب على عقبينا بعد رحيله عنا.

ودعاؤنا هو ما كان يدعو به الإمام زين العابدين (ع): “اللَّهمّ فارفعه بما كدح فيك إلى الدَّرجة العليا من جنَّتك، حتى لا يساوَى في منزلة، ولا يكافَأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل”.

فسلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً”.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى