
كتب عامر حسن فياض.. تأريخياً تجسدت نتاجات العقل الايراني وانعكست في إطار دولة ببنى مؤسساتية وليس في إطار كيان عابر. وهذه الدولة المتجذرة تشكلت في حدود 600 ق.م.
وكان من الطبيعي أن تستند تلك النتاجات إلى دعائم تنطلق منها وتقوم عليها تمثلت في دعامتين اساسيتين هما دعامة سياسية تمثلت في التطور السياسي الهيكلي المؤسسي، ودعامة فكرية تمثلت في البنى الفكرية الدينية التي رحّلت كل إيجابياتها الاخلاقية إلى المنظومة الاسلامية.
إن الجذر التاريخي الاجتماعي لهاتين الدعامتين لم يمنع من تأثر الشخصية الإيرانية بالاتصال بالحضارات الكبرى آنذاك من رافدية وفرعونية وفينيقية وهندية وافريقية مما اتاح لهما فرص كبيرة للاغتناء بتراثها الفكري والاندفاع بخبراتها العملية فانعكس ذلك على شتى جوانب الحياة الايرانية وفي مقدمتها الجانب المتعلق بالتفكير السياسي الدولتي الإيراني من جهة، وتأثره بإرث الحضارات الاخرى ومُنجزاتها من جهة اخرى لإنتاج شخصية وعقل سياسي مميز على مستوى الشكل والمضمون على حد سواء.
إن ايران الحديثة اقليم متسع ومتنوع يمتد من بحر العرب وخليج هرمز جنوباً حتى آسيا الوسطى وبحر قزوين شمالاً. ومن غرب شبه القارة الهندية (باكستان وافغانستان) شرقاً إلى بلاد الرافدين (العراق) والخليج العربي غرباً، مما أتاح لهذا الاقليم احتضان بيئات جغرافية متنوعة، سهلية وجبلية وصحراوية، وتوفرت له سواحل طويلة امتدت جنوباً وغرباً فانعكست ظروف الاتساع والتنوع وأثرت بمجملها في تكوين الدولة وتشكيل أنماط تفكيرها السياسي وبلورت هويتها الدولتية القومية واقامة انظمة حكم موحدة اعتمدت اجهزة ومؤسسات بيروقراطية كفوءة وقوية وجيوش كبيرة ومقتدرة خاضت حروب وصراعات وصلت إلى ما بينها وبين دول المدن اليونانية ليقول المؤرخ اليوناني الشهير (هيرودوت) ان الفرس شعب بسيط وصلب يحكمه ملوك قديرون يحبون الصدق وسلطانهم مطلق وشعبهم يدين لهم بولاء لا شبهة فيه، وهو ما حصل في زمن الشاهنشاه (ملك الملوك) كورش.
لقد دعيت العقائد الدينية الاساسية القديمة في ايران بــ(عقيدة الشعب) التي تقوم، كما جاء في كتاب الفرس المقدس (زندافيستا) على عبادة عناصر الحياة الاولى (النار والهواء والماء والتراب) وتقديس مظاهر الحياة الطبيعية التي ينبغي التضحية لها حتى اصبح (اهورافردا) الاله الكوني.
واصبح (زرادشت) النبي الذي تلقى وحي هذا الاله الكوني، الذي ليس له شريك وان كان له خصم دونه في الرفعة والعظمة هو (اهرمان) اله الشر الذي سينهزم أمامه على مر العصور.
إن أبرز ما في (عقيدة الشعب) الايرانية ما قبل الاسلام هو جانبها الاخلاقي فأهم الفضائل عندها وأجلها العدالة والعفة والاخلاص والصدق، وأهم الواجبات الدينية فيها هو العمل على تنمية النوع البشري وتقويته، أما الفضائل الاخرى في هذه العقيدة فهي الاحساس بالسرور ومهاجمة الاعداء والدفاع عن النفس والوطن. وهذه الاخيرة تعد من الواجبات المقدسة عند (عقيدة الشعب) التي اكتسحت الديانات القديمة الاخرى (المانوية والمزدكية) لتلتقي هذه العقيدة (الزرادشية الجديدة) بالإسلام طالما أنها اعتقدت بالإله الواحد الخالق الخالد.
إن ما نقوله هنا هو جزء من تاريخ ايران الدولة المتجذرة وعقيدة شعبها نضيف إليها التاريخ الدولتي الحديث لإيران ومنجزاتها في المجالات العلمية والتقنية صنعتها إيران الشخصية والدولة والتي على الكيان الصهيوني والكيانات العابرة المحيطة به، وعلى ترامب ونخب الغرب الرأسمالي المتوحش أن يتعلموها ولا يجهلوها وأن يفهموها، فحذار أن يتجاهلوها لأن إيران دولة متجذرة، وليست كيانا عابرا.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز