مقالات
أخر الأخبار

الذلة سنة للمعاندين والنصرة وعد للمؤمنين: تأملات في تاريخ بني إسرائيل

الحلقة الرابعة: “كشف خفايا العدو في ضوء القرآن الكريم”

قال تعالى:﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾
[سورة الحشر: 14]

هذه الآية الكريمة تتحدث في سياقها المباشر عن بني النضير، وهم طائفة من اليهود خانوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة، وتآمروا مع المشركين، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بإجلائهم بعد حصارهم.

لكن الآية لا تقتصر على تشخيص حالة تاريخية، بل ترسم ملامح دائمة لنفسيات المعتدين، وخصوصا اليهود في كل زمان، فالله جل وعلا لا يحد هدايته بزمن النزول، ولا ينقطع خطاب القرآن بانتهاء الأحداث، بل يبقى “هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان”.

ومن هنا، فإننا حين نقرأ هذه الآية اليوم، فإنها تكشف لنا بوضوح صفات الكيان الصهيوني الذي اعتدى ولا يزال يعتدي على شعوب الأمة ، فلسطين، لبنان، العراق، اليمن، مصر، وغيرها من الشعوب بطريق مباشر أو غير مباشر وأساليب متنوعة، خصوصا على الجمهورية الإسلامية في إيران التي تتصدى لمشروعه العدواني التوسعي وهو ما صرح به نتن ياهو نفسه.

أيها الأحبة

يمكن أن نستخلص من هذه الآية المباركة ثلاث حقائق يتصف بها الكيان الغاصب:

١. الجبن والخوف من المواجهة المباشرة

قال تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ﴾

يوصف العدو في هذه الآية بأنه جبان، لا يواجه وجها لوجه، بل يحتمي بالجدران والتحصينات. وهذا الوصف ينطبق بدقة على الكيان الصهيوني المعاصر، الذي يعتمد على:

التحصينات العسكرية (كالقبة الحديدية ومقلاع داوود والثاد الأمريكي).

التكنولوجيا المتقدمة والطائرات المسيرة.

الدعم الجوي والغطاء الدولي.

لكنهم في الوقت ذاته، لا يتحملون حربا طويلة أو معارك برية مرهقة.

وهو دليل على ضعف عقيدتهم القتالية وروحهم المعنوية.

وما أحوجنا نحن، أمة الإسلام، إلى عدم الاغترار بمظاهر القوة الظاهرة، لأن الله يمنح النصر لمن ثبت على المبدأ، لا لمن امتلك السلاح فحسب.

وهنا لفتة مهمة من قوله تعالى: “من وراء جدر”

لا تقتصر على الجدران المادية، بل تشمل أيضا:

الجدر الإعلامية التي تحجب الحقيقة.

التحصينات السياسية التي تمنع المحاسبة.

العلاقات الدولية التي تمنح الحماية والحصانة.

ولكن تأبى السنن الإلهية إلا أن تكشف الباطل وتسقط تحصيناته مهما طال الزمن، فالحق نافذ، وسنة الله لا تحابي أحدا.

٢. التمزق الداخلي والصراعات الخفية

قال تعالى: ﴿بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ﴾

هذه الآية تكشف عن مفارقة خطيرة:

صورة خارجية موحدة، وداخل مشتت ممزق.

وهذا حال الكيان الصهيوني وحلفائه اليوم:

انقسامات داخلية بين الأحزاب (يمين ويسار).

صراعات بين المتدينين والعلمانيين.

خلافات بين الجيش والموساد.

توتر في العلاقة مع حلفائه الغربيين، خاصة أمريكا.

فما يبدو للعيان من “وحدة” هو في الحقيقة وهم، لأن قلوبهم ليست على هدف واحد، بل مصالح متضاربة وأطماع مختلفة.

وهنا التحذير للأمة:

إذا كان تفرق القلوب علامة ضعف العدو، فإن وحدة الصف والبصيرة منبع قوة المؤمنين.

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4]

فنحن بحاجة إلى وحدة الكلمة، وتكامل الأدوار، من المقاتل إلى الداعم إلى الموجه، وكذلك إدارة الشؤون غير العسكرية فإنها نوع إسناد يجعل الجبهة الداخلية في تماسك ولا تدع للعدو ثغرة ينفذ من خلالها، كما أن للإعلام دور لا يقل عن صواريخ المعركة فإنها عنصر دعم وحماية للمنجزات.

٣. فقدان العقل والحكمة في إدارة الصراع

قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾

القرآن هنا يكشف عن جذور الطغيان: فقدان العقل والبصيرة.

فقرارات الكيان الصهيوني العدوانية لا تصدر عن عقل رشيد، بل عن هوى واستكبار، وعن عنجهية فما تسمى بإسرائيل ترى نفسها فوق المحاسبة.

وهذا بالضبط ما نراه في سياساتها الصهيونية :

تضرب المدنيين دون رحمة.

تتحدى القوانين الدولية.

تتصرف وكأنها فوق البشر جميعا.

لكن التاريخ، وسنن الله، تخبرنا أن من فقد العقل، فمصيره الزوال.

فالذي لا يحسن التقدير، ولا يعرف مآلات الظلم، ينقلب على نفسه ويهلك.

أيها الأخوة المؤمنين أكرر ما أبتغي مجددا، لقد منحنا الله سلاحا أعظم من أي قوة في العالم ، وهو سلاح القرآن والبصيرة.

فلا تغرنكم الصور الإعلامية ولا مظاهر القوة الظاهرية ، فإن الله يقول: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 173]

فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من جنوده، وأن يوحد صفوفنا، ويجعل قلوبنا كقلب رجل واحد، حتى نكون كما أراد الله سبحانه وتعالى : “صفًّا كأنهم بنيان مرصوص”

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
يوم الأربعاء المصادف ٢٠٢٥/٦/١٨

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى