مقالات
أخر الأخبار

موت السياسة

كتب عامر حسن فياض.. عبر العصور تمحورت كل ثقافة عند محطة فكرة اختصرت مفرداتها النهايات غير القابلة على التحول بسهولة. فالفكرة المحورية عند أهل بلاد الرافدين في فكرة الخلق والتكوين، وعند أهل مصر الفرعونية فكرة الخلود وعند الصين والهند القديمتين فكرة الانسجام مع الطبيعة، وعند الاغريق فكرة الفضيلة وعند الرومان فكرة القانون، وعند المسلمين فكرة النص المقدس كما هو حال اليهودية والمسيحية، وعند الغرب الحديث فكرة العقل وعند الغرب المعاصر فكرة المعرفة.

إن سردية السياسة بوصفها ظاهرة ومهنة وعلما لإدارة الشأن العام، من خلال شخوص ومؤسسات حكم ينبغي أن يكون صالحا، خلقت السياسة لتكون عذراء منزوعة الحماقات والتفاهات وبعيدة عن الدناسات والنجاسات.

ولكن سنكون من معاندي المنطق ومخالفي الواقع إن قلنا إن السياسة كانت ولا تزال عذراء بلا خطايا، لأنها حقا لم تعد عذراء، بل ان مغتصبيها القدماء والجدد لا سيما في عالمنا المتوحش فرضوا اللحظة المطلقة لموتها عندما أحلوا بصفاقة العدمية الاخلاقية محل بقايا الحضور الاخلاقي والانساني في السلوك السياسي الداخلي والخارجي في عالمنا المعاصر. إن السياسة سواء عرفت بأنها “فن الممكن” أو “فن تدبير الاختلاف” أو “مدرسة التعاطي في الشأن العام”، فإن روح السياسة تتجسد في العقلانية التي تحكمها فكراً وسلوكاً. لأن السياسة بالأصل هي عمل بشري عاقل يستمد شرعيته من التفكير في قضايا الجماعة وتُغذيه المؤسسات والفاعلين السياسيين بحزمة من قيم (الحوار والشفافية والمحاسبة) الفاصلة بين موت السياسة واستمرارها حية.

ولقد بات من الضروري كما ذهب المفكر المغربي (امحمد المالكي) درء استحكام الموت في جسم السياسة وهو يرى “أن هناك حاجة قصوى إلى إعادة الاعتبار للسياسة بحسبها ضرورة نبيلة وأولوية مجتمعية لا مندوحة عنها، لأن في موت السياسة تموت الكثير من المعاني، وعلى رأسها معنى الانتساب إلى الجماعة العاقلة”.

ولكن عندما جفت منابع الحياة من السياسة، وأخذت نزعة الريبة والتشكيك تتسرب إلى وعي الناس وثقتهم بالعمل السياسي، شرعوا إلى البحث عن صيغ بديلة أو إلى الاستنكاف أصلاً عن التفاعل مع كل ما يُعبر عن السياسة ويرمز إليها، بسبب أن الأفعال السياسية غدت محكومة بالمجاملات وإرضاء الأمزجة والرغبات وأصبحت نوعاً من المحاباة والتملق، فتراجع منسوب ثقة الناس بالمؤسسات السياسية وشاغليها من ساسة المال والدم والصدفة.

في هذه المقدمة نحرص على البدء بكشف التفاهات وتعرية الحماقات في السياسة عسى أن تُسهم تلك التعرية وهذا الكشف في تحسين سمعة السياسة، لكي نترحم عليها بعد موتها.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى