
كتب محمد صالح صدقيان.. منذ شهر يونيو/ حزيران الفائت، حيث شن كيان الاحتلال والولايات المتحدة العدوان علی إيران وحتى الان تترقب أوساط متعددة داخل الجمهورية الاسلامية وخارجها عدوان جديد يشنه كيان الاحتلال لمهاجمة ما لم تتم مهاجمته في العدوان الفائت؛ خصوصا أن الكيان ما زال يعمل – كما يقول – علی عدة مستويات لتغيير نظام الحكم في ايران بعدما فشل في عدوانه السابق لتحقيق هذا الهدف.
هذا الترقب تزامن مع معلومات توثق تحركا عسكريا اميركيا واسعا نحو الشرق الاوسط في مشهد يشابه، الی حد بعيد ما سبق قصف المنشآت النووية الايرانية في يونيو / حزيران 2025.
يقول جيفري ساكس رئيس مركز الابحاث في جامعة كولومبيا ان “كيان الاحتلال كان دائما يدفع الولايات المتحدة للحرب مع ايران. الوضع متوتر جدا والولايات المتحدة استجابت لاسرائيل قبل عدة اشهر لتقف معها في الحرب ضد ايران، لكن الحقيقة أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يضغط منذ أكثر من عقدين من الزمان لتغيير النظام في ايران.
وقبل عدة اسابيع جدد هذه الرغبة من علی منصة الامم المتحدة، وهو ما زال يعمل عسكريا وسياسيا وامنيا من اجل استئناف الهجوم علی ايران لأن الحرب السابقة لم تستطع اسقاط النظام، الذي يعتبره هدفا استراتيجيا له. ولا أدري ان كان يريد تنفيذ المزيد من الاغتيالات أو حربا شاملة.
ومن الواضح أن الهجمات علی ايران لم تنه قدراتها في امتلاك اسلحة نووية لان اليورانيوم المخصب لازال داخل ايران في اماكن غير معروفة؛ وان الانتقال الی انتاج السلاح النووي لن تكون مهمة شاقة بالنسبة للايرانيين. لا سيما أنها واقعة الآن تحت ضغط هائل في الوقت، الذي تعيش الولايات المتحدة في دبلوماسية هشة غير جادة. اما الاوروبيون فإنهم خطوا خطوة لإعادة عقوبات سابقة؛ وهي بمثابة ضوء أخضر لنتنياهو لشن هجوم احادي علی إيران، حتی في حال استئناف المفاوضات مع طهران، ولن تُلام اسرائيل بل ستنضم الولايات المتحدة لها، وسيضغط الاوروبيون ليس علی اسرائيل بل علی ايران. انه عالم مجنون لكنها الحقيقة”.
وامام هذه المقاربة؛ ما هي خيارات ايران امام هذا “الجنون” الذي عبر عنه جيفري ساكس بانه “الحقيقة”؟.
طهران تعيش حالة اللاسلم واللاحرب في سابقة منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988؛ وقد نجحت – كما تقول – من اعادة صياغة وضعها العسكري والامني مستفيدة من ثغرات عدوان يونيو / حزيران؛ اضافة الی حديثها عن قدرات صاروخية وجوية هائلة تستطيع ان تؤذي بها دول العدوان.
هذا الخيار المعلن الذي تتحدث به طهران هو حديث “فوق الطاولة”؛ وهناك الخيار السياسي الذي تتحدث به وزارة الخارجية وهو ايضا “فوق الطاولة” علها تنجح في اقناع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بهذا الخيار، الذي يعد أفضل الخيارات لإنهاء المسالة الايرانية، كما يقول وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي.
اما ما يجری “تحت الطاولة” فله حديث آخر تذهب اليه عديد الاوساط الداخلية خصوصا الراديكالية منها ومعها أوساط محبة لإيران تدعوها لانتهاج السبيل الاخر لان المفاوضات والخيارات السياسية “لا تسمن ولا تعني عن جوع”.
حتى الان لازالت طهران ملتزمة بقرار القيادة الايرانية بحرمة حيازة الاسلحة النووية؛ وان هذه الاسلحة ليست موجودة في العقيدة العسكرية؛ وان الحكومة الايرانية لا تريد الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي؛ كما ان المجلس الأعلى للأمن القومي يعارض فكرة تغيير العقيدة النووية؛ لكن ماذا لو نفذ كيان الاحتلال تهديداته بالحرب علی ايران مرة اخری؟ وماذا لو ساعدتها الولايات المتحدة؟ وماذا لو نجحت في زعزعة الاوضاع الداخلية؛ هل تبقی ايران متفرجة؟ وهل إن المتشددين الذين يطالبون الان بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، سيبقون منصاعين لموقف المجلس الاعلی للامن القومي؟.
الاعتقاد السائد أن المواقف ستتغير؛ وان التطورات سوف لن تكون كسابقاتها وان خطوة حيازة السلاح النووي سوف تخرج من “تحت الطاولة” لتكون “فوق الطاولة”.
هكذا تتحدث الاوساط السياسية وتحديدا المتشددة حيال المفاوضات مع الولايات المتحدة.
السؤال في هذه الحالة كيف سيكون اليوم الآخر؟ بمعنی آخر وبكل جرأة؛ ماذا لو استيقظ العالم ليری اختبارا نوويا أجرته ايران؟.
بطبيعة الحالة سيرقص الثوريون فرحا في داخل ايران وخارجها لهذا “الانجاز” لأنهم يعتبرون أن العدو لا يفهم الا منطقة القوة؛ وبهذا “الانجاز” ستأتي الولايات المتحدة صاغرة للتفاوض مع ايران بندية؛ لكن في الجانب الاخر يری الآخرون أن ذلك لعب بالنار وأنها مجازفة غير محسوبة النتائج؛ وأن المجتمع الدولي، الذي سكت علی كوريا الشمالية، فإنه لن يسكت عن ايران التي تقع في الشرق الاوسط.
ويقول الخبير العسكري اللبناني العميد الياس فرحات “ان مثل هذه الخطوة سيرافقها استنكار شديد في أوروبا والولايات المتحدة؛ وقلق وعويل في اسرائيل والسعي لاستعادة صورة الدولة الضعيفة المهددة وتراجع انتقاد اسرائيل في المجتمعات الغربية؛ الأمر الذي سيدفع هذه الدول لدعوة مجلس الامن الدولي للانعقاد وادانة ايران علی عدم مصداقيتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لكن في المقابل – يضيف العميد فرحات – تخلق هذه الخطوة توازن الرعب مع اسرائيل حيث تضع ايران في مرتبة متقدمة اقليما”.
وبطبيعة الحال فإن هناك الكثير من التطورات سترافق مثل هذه الخطوة خصوصا وان آلية “سناب باك” أعادت وضع ايران في الفصل السابع؛ وان الجهود الايرانية ستدخل في مسار جديد من أجل مواجهة عقوبات اقتصادية ومشكلات مختلفة تصيب مختلف المجالات وإن المسالة الايرانية ستدخل فضاء جديدا.
عودة للأسئلة المطروحة؛ ماذا تريد الولايات المتحدة؟ بالتأكيد أن اسرائيل تريد دفع ايران لمثل هذه الخطة لأنها تعتقد ان الولايات المتحدة ستحارب النظام الايراني وتسقطه نيابة عنها؛ لكن هل أن واشنطن مقتنعة بهذا الحل؟ وهل تعتقد الولايات المتحدة ان مثل هذه الحرب هي حربها أم هي ابتزاز واستدراج لها علی حساب مصالحها في المنطقة؟.