مقالات
أخر الأخبار

عندما يتحوّل الصوت إلى أداة جريمة

كتب د. حسين المولى: في بادئ للقول بأن موسم الانتخابات هو موسم زاخر بالتحديات، وغير مُستبعد أن تتحول المنافسة السياسية من منابر البرامج والرؤى إلى ساحة حرب إعلامية، تُستخدم فيها كل الوسائل الممكنة لتشويه الخصوم، ولعلّ أخطر هذه الوسائل في عصر الرقمنة هو “نشر بصمات صوتية”، سواء كانت حقيقية مسرّبة أو مزيفة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، في ظاهرة متصاعدة باتت تُعرف بـ “التسقيط الانتخابي الرقمي”.

 

إذ لم يعد الخصوم بحاجة إلى فبركة صور أو نشر إشاعات تقليدية، بل بات بمقدورهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لتوليد صوت مطابق لصوت المرشح المستهدف أو مقاطع أخرى تؤثر في سمعته، وإلصاقه بتصريحات مخزية أو مواقف منافية للقيم المجتمعية، تسجيل مدته لا تتجاوز الدقيقة قد يُفقد مرشحاً مسيرته السياسية، أو يُحدث شرخاً في ثقة الجمهور به، وفي أحيان أخرى، تكون البصمة الصوتية حقيقية، لكنها مسرّبة من دون إذن، ومنزوعة من سياقها العام، وتُستخدم للإساءة أو الإحراج أو التحريف.

في أغلب القوانين، لا توجد نصوص صريحة تعالج موضوع “نشر البصمة الصوتية” كجريمة قائمة بذاتها، بل تُدرج ضمن جرائم أخرى مثل انتهاك الخصوصية، القذف الإلكتروني، أو نشر الأخبار الكاذبة.

وفي جانب التطورات التقنية المُتسارعة التي جعلت من التزييف الصوتي إحدى الأدوات الخطرة للتضليل، بدأ العمل لدى الفقه القانوني والمشرعين، لتحديث التشريعات، لتُدرج البصمة الصوتية ضمن العناصر المحمية جنائياً.

وقد جاء قانون العقوبات العراقي – مثلاً – بتجرّيم السب والقذف وانتهاك الخصوصية، ويمكن تكييفه للتصدي لمن ينشر تسجيلاً صوتياً حقيقياً دون إذن، لكن التحدي الأبرز يمكن حين يكون الصوت مزيفاً بصورة يصعب إثبات زيفه، في هذه المرحلة، تقف القواعد القانونية التقليدية عاجزة، ما لم تتدخل الخبرة التقنية من أجل عملية الإثبات أو النفي.

إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم، يمكنها توليد صوت مطابق تماماً لصوت أي شخص بمجرد تزويد النظام بدقائق قليلة من صوته الحقيقي، هذا يعني أن أي مرشح تحدث في مؤتمر أو مقابلة إذاعية، قد يجد صوته يُستخدم ضده لاحقاً في تسجيل مفبرك يصعب تمييزه عن الحقيقة.

إن هذه الظاهرة ترتب تهديداً متزايداً في القانون والسياسة، لما تحتويه من خطر وأثر بالغ في تزييف الوعي الانتخابي لدى الناخبين، والتأثير على نتائج الانتخابات بطرق غير مشروعة.

إن الصوت كان دوماً وسيلة للتعبير، لكنه وللأسف اليوم أصبح سلاحاً رقمياً قد يُستخدم لتدمير الحياة السياسية لأشخاص عبر أزرار هاتف أو ضغطات زر، وبينما نجد أن تقنيات التزييف تتسارع، فلا بُدَّ من أن تسارع معها قواعد القانون الجنائي، ليُعيد التوازن ويمنع تحويل الديمقراطية إلى مسرح خداع إلكتروني.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى