
رجب وشعبان… شهرا الإعداد والتأهيل لشهر رمضان المبارك (الحلقة الرابعة) بقلم السيد رسول الياسري
الكفالة الاجتماعية… تطهير للذمم ورحمة للمحتاجين
في هذه الحلقة نفتح نافذة مهمة على أحد أبرز ميادين العمل العبادي الاجتماعي، وهو باب الكفالة الاجتماعية، الذي جعله رب العزة والجلال رحمة بعباده المذنبين، وسبيلا لتكفير ذنوبهم في حال التوبة والندم، ومنفعة حقيقية للمحتاجين والمعوزين.
إن الله سبحانه وتعالى ـ وهو العليم بخفايا النفوس ـ يعلم شدة حرص الإنسان على المال، وما قد يعتري النفس من بخل أو شح في الإنفاق، فجعل موارد شرعية أوجب فيها بذل المال، ليكون ذلك تزكية للنفس، وتهذيبا للروح، وتحقيقا للتكافل في المجتمع. قال تعالى:﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾[التوبة: 103]
ومن هنا قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد؛ إذ تتحول آثار الذنب والتقصير ـ عبر الكفارات والصدقات ـ إلى أبواب أجر ورحمة، ومصادر عون للفقراء والمساكين.
أيها الأحبة،
من الموارد التي أوجب الشارع المقدس فيها بذل المال:
كفارة الإفطار العمد في شهر رمضان،
كفارة تأخير قضاء الصيام،
كفارات الأيمان الكاذبة وما شابهها.
وهذه الكفارات ليست مجرد التزام فقهي لإبراء الذمة، بل هي في حقيقتها عبادة ذات بعد اجتماعي عميق، تسهم في سد حاجة المحتاج، وتعيد التوازن الأخلاقي والاقتصادي في المجتمع.قال تعالى:﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾
[الذاريات: 19]
ومن مصاديق الكفالة الاجتماعية في موسم الإعداد لشهر رمضان المبارك السلال الرمضانية، التي تتطلب إحصاء دقيقا وحقيقيا للفقراء، لضمان وصولها إلى الفقير الحقيقي، لا إلى أولئك الذين اتخذوا التسول مهنة ووسيلة ارتزاق.
كما ينبغي فتح الباب لقبول المبالغ البسيطة التي يتبرع بها أصحاب الدخل المحدود؛ فإن القليل إذا صدر بإخلاص كان عظيما عند الله تعالى.وفي الحديث الشريف:
«استنزلوا الرزق بالصدقة»
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«اتقوا النار ولو بشق تمرة»،في إشارة بليغة إلى أن قيمة العطاء لا تقاس بحجمه، بل بصدق النية وحال المعطي.
إن للصدقة أثرا يتجاوز البعد المالي، ليصل إلى دفع البلاء وشفاء المرضى، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«داووا مرضاكم بالصدقة»
لتتحول الصدقة من عمل اجتماعي إلى دواء روحي وجسدي، ومن إحسان عابر إلى مشروع حياة.
فكم من مريض انتفع بصدقة، وكم من مبتلى فرج عنه بعطاء خالص لوجه الله تعالى.
وهنا يبرز الدور المحوري للمؤسسات الإنسانية الرصينة، كمؤسسة فيض الزهراء عليها السلام، التي تضطلع بمهمة التنسيق بين أطراف الخير:
بين من وجبت عليه الكفارة أو رغب في الصدقات المستحبة،
وبين الفئات المستحقة لها، ضمن آليات منظمة وشفافة.
وتقوم هذه المؤسسات بالإعلان عن هذه المشاريع، والترويج لها، وتنظيمها، والإشراف على إيصالها، ضمن آليات واضحة وموثوقة.
ويكون الإعلان عن هذه الأعمال بالمنهجية نفسها التي أشير إليها في الحلقة الأولى من هذا البرنامج:
«رجب وشعبان… شهرا الإعداد والتأهيل لشهر رمضان المبارك»،
عبر حث الناس على استثمار هذين الشهرين في التهيئة الروحية والاجتماعية.
كما تتاح إمكانية إيصال المبالغ عبر وسائل التحويل الميسرة، مع توثيق مصور يبين وصول الكفارات والصدقات إلى مستحقيها، لما في ذلك من:
طمأنينة للمتبرع ببراءة ذمته،
ولأن الناس يأنسون ـ بطبيعة الحال ـ حين يلمسون الأثر الواقعي لعطائهم،
فضلا عن أن التوثيق يعد ضرورة شرعية وعقلية في هذا الزمان، دفعا للشبهات التي قد تعترض طريق العمل الخيري،
وبناء للثقة بين الناس والمؤسسات.
وقد سبق التأكيد على أهمية التوثيق في منشورات سابقة، مدعومة بأدلة شرعية ومنافع فردية واجتماعية وحركية رسالية، لما له من دور في حفظ الأمانة، وصيانة العمل، وتعظيم أثره.
أيها الأخوة والأخوات الكرام،
إن الكفالة الاجتماعية في رجب وشعبان جزء أصيل من مشروع الإعداد لشهر رمضان، تزكي النفوس، وتطهر الذمم، وتدخل الفرح على قلوب المحتاجين، وتمهد لمجتمع أكثر وعيا، وتكافلا، وقربا من الله تعالى.
أسألكم الدعاء.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز



