
أيها الإخوة المؤمنون، حين تمر علينا ذكرى هذا القائد الفذ، لا تمر مروراً عابراً، بل تطل علينا كمدرسة كاملة، مدرسة تصوغ العقول وتربي النفوس، مدرسة تعلمنا كيف تكون المعرفة سلاحاً، وكيف يكون الإيمان عقلاً ورشداً، وكيف تخط البطولة في عمق الضمير والسلوك.
لقد قال المرجع اليعقوبي (دام ظله): إن السيد الشهيد حسن نصر الله مدرسة، وهو والله كذلك، مدرسة لا في جانب واحد، بل في جبهات عدة، مدرسة تشهد لها التجربة وتؤكدها السيرة.
هو طالب علم لا يكل ولا يمل، ينهل من ينابيع المعرفة في ميادين شتى، لا للزينة ولا للفخر، بل ليجعل العلم طريقاً للجهاد والعمل والبناء.
هو سياسي ملتزم لا يساوم على حرمة وطن ولا يفرط بكرامة شعب، ثابت على مبادئه، صامد على نهجه.
هو مجاهد جسور، لم ترعبه التهديدات، ولم تضعفه التضحيات، بل زادته المحن رسوخاً وعزيمة وإصراراً.
هو صاحب مبدأ، لا يتراجع عن الحق وإن صعب، ولا يساوم عليه وإن خذل، وخير برهان على ذلك شهادته التي كانت ثمرة لثباته على قضية فلسطين، تلك القضية التي حملها في قلبه حتى آخر لحظة.
هو شجاع متواضع، لم يجعل الشجاعة زهواً ولا مفاخرة، بل جعلها خلقاً ومسؤولية.
هو خطيب بليغ، تزلزل كلماته القلوب، وتحرك العقول، وتلهب الساحات، فتصغي له الجماهير بقلوبها قبل آذانها.
هو وطني صادق، يقدم الوطن على المصالح الضيقة، ويرفع راية الكرامة فوق كل اعتبار، على خلاف أبواق الخيانة التي ما نطقت وعلا لها صوت إلا بعد غياب أسد الميدان.
هو حكيم رحيم، ينظر إلى الناس بعدل ورحمة، لا بغضب أو هوى.
هو رجل خدمة لا سلطة، يعامل الناس ببساطة وابتسامة، لا يطلب عظمة أو جاه.
هو قائد منظم، يسير المعارك الفكرية والإدارية برؤية صائبة وبصيرة نافذة.
هو مؤسساتي قدير، يؤمن أن البقاء للعمل المنظم، وأن البناء لا يقوم إلا على أساس راسخ.
هو إعلامي بارع، يعرف كيف يوسع دائرة الرسالة، ويجعل من المنبر سلاحاً لا يقل أثراً عن البندقية.
هو محور وحدة، يجمع من تفرقوا، ويقرب من تباينوا، لأن همته كانت أكبر من مكائد الأعداء وأوسع من حواجز الخصوم.
أيها الإخوة الكرام، أي لغة تستطيع أن تستوعب مدرسة بحجم هذا الرجل؟
أي قلم يمكن أن يفيه حقه؟
أعترف أن قلمي يجف، وعباراتي تقف عاجزة أمام هذا العطاء العظيم، فأنا ما زلت تلميذاً صغيراً على أعتاب هذه المدرسة الخالدة.
سيدي يا أبا جواد، سلام لك من عمق العراق إلى علياء مقامك حيث روحك الطاهرة.
ولأنك شهيد عند الله، فإن الله تعالى قد خلد مقامك بقوله: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
نعم، فذكراك ستبقى نبراساً للمجاهدين، ومشعلاً للأحرار، ودروساً حية للمخلصين.
سيدي يا أبا جواد، ها نحن نرفع أيدينا بالدعاء أن يثبت الله خطانا على نهجك بالوفاء لقيادتنا كما وفيت لقيادتك، وأن يجعلنا من السائرين على دربك بلا كلل ولا ملل.
سيدي يا أبا جواد، أدعو الله أن يرزقني حسن الخاتمة بالشهادة التي نلتها، لألتحق بك في ركب الشهداء، وإن كنت لم أبلغ ما بلغوا، ولم أقدم ما قدموا، لكنني أحسن الظن برب كريم، لا يضيع أجر العاملين المقرين بتقصيرهم أمام الفرص التي يمنحها لهم.
سيدي يا أبا جواد، قلت في آخر كلماتك: السلام عليكم…
ونحن نقول: وعليك وعلى رفيق دربك السيد هاشم صفي الدين وجميع إخوانك السلام ورحمة الله وبركاته، يا ابن الحسين الشهيد وعلى العهد سنبقى أوفياء بعون الله تعالى وقوته.
الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
اليوم الثالث من شهر ربيع الثاني المصادف يوم الجمعة ٢٠٢٥/٩/٢٦
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز