
كتبت نرمين المفتي.. قضية خور عبد الله ليست مجرد خلاف حدودي بين العراق والكويت، إنها تمثل واحدة من أبرز واهم مفردات إشكالية السيادة العراقية في مرحلة ما بعد الحرب، حين وُضع البلد تحت وصاية متعددة الأشكال، لم يكن ترسيم حدوده البحرية إلا أحد وجوهها القانونية المعقدة.
فبعد حرب الخليج الثانية عام 1991، تبنى مجلس الأمن القرار 833 الذي رسخ خطوط ترسيم جديدة للحدود بين العراق والكويت، استنادا إلى القرار 687 الخاص بوقف إطلاق النار.
غير أن هذا القرار، الذي صدر تحت الفصل السابع، أعاد ترسيم الحدود البرية والبحرية بطرائق أخلت فعليا بسيادة العراق على ممره البحري الحيوي الوحيد، خور عبد الله، مانحا الكويت مساحة واسعة من المياه الإقليمية على حساب الحق التاريخي والجغرافي للعراق.
لقد شكل هذا القرار سابقة في القانون الدولي، إذ لم يكن ترسيم الحدود البحرية بين دولتين يتم عادة بقرار من مجلس الأمن، بل عبر اتفاقيات ثنائية أو من خلال محكمة العدل الدولية، أما أن يُفرض الترسيم بقرار أممي من دون موافقة الطرف المتضرر، فذلك ما يُثير التساؤلات القانونية والأخلاقية حول مشروعيته، خصوصا في سياق ما بعد الحرب حين كان العراق خاضعا لحصار شامل ونظام سياسي مهتز الإرادة والشرعية.
وفي قلب هذا النزاع، يبرز خور عبد الله كرمز جغرافي للسيادة المائية، إذ يشكل الشريان البحري الذي يربط العراق بالخليج العربي.
تاريخيا، كانت السيطرة العراقية على الخور أمرا مفروغا منه، وهو ما تؤكده عشرات الوثائق الرسمية العثمانية والبريطانية، فضلا عن خرائط ملاحية عمرها أكثر من قرن.
فالأرشيف العثماني يحتوي على عدد من الفرمانات والمخططات الإدارية، التي تظهر تبعية الخور وجزره لولاية البصرة، وتعود بعضها إلى أعوام 1871 و1893، وقد وردت ضمن سجلات (دفاتر المهمة) و (التحقيقات الضبطية) وقد اعتمد عليها مؤرخون ومحققون معاصرون، منهم البروفيسور نور الدين أورال في دراسته عن جغرافيا الخليج العثماني، وهي محفوظة في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) في إسطنبول، أو من خلال أرشيف الدولة العثمانية تحت تصنيفات: BOA/HR.İD، وBOA/İ.MMS، وBOA/İ.DH.إلى جانب ذلك، تؤكد الوثائق البريطانية ـ التي لا تقل أهمية ولا حجية قانونية ـ هذه الرؤية.
ففي خريطة أعدتها وزارة البحرية البريطانية عام 1913، محفوظة تحت الرمز ADM 352/1006، يظهر خور عبد الله كممر مائي يتبع ولاية البصرة، دون أي إشارة لسيادة كويتية عليه.
كما توثق مذكرات مكتب الهند في عام 1923، ضمن السجل IOR/L/PS/10/339، أن الإدارة الملاحية للخور كانت عراقية. بل إن رسالة سرية مؤرخة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1932، تحت الرمز IOR/R/15/1/316، بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج وحكومة الهند البريطانية، نبّهت من مغبة تغيير الوضع الإداري للخور، لما له من تبعات استراتيجية على المصالح البريطانية في العراق والخليج عموما.
هذه الوثائق ـ العثمانية منها والبريطانية ـ ليست مجرد أوراق تاريخية، بل مستندات قانونية ذات طابع سيادي، تعتبر مرجعية معترفا بها في النزاعات الحدودية.
ويمكن للباحثين والمهتمين الوصول إليها عبر مراكز الوثائق الرسمية في إسطنبول ولندن، أو من خلال الأرشيفات الرقمية التابعة لكل من الأرشيف الوطني البريطاني والمكتبة البريطانية وموقع أرشيف الدولة العثمانية.
ولا يمكن تجاهل الدراسات الأكاديمية العراقية التي سعت إلى توثيق أحقية العراق التاريخية والسيادية في خور عبد الله، ومن أبرزها دراسة أ.م.د أحمد تقي فيصل من جامعة واسط، نشرتها مجلة واسط للعلوم الإنسانية في ايار 2025 (المجلد 21، العدد 2)، بعنوان “مدى أحقية العراق في إبطال اتفاقية خور عبد الله وفقًا للقانون الدولي” للباحث، تقدم تحليلاً قانونيًا معمقا مبنيا على مبادئ القانون الدولي وأحقية العراق في الطعن بالاتفاقية الدولي التي تنظم وضع خور عبد الله.
ورغم أن قرارات مجلس الأمن، مثل القرار 833 لعام 1993، تُعد ملزمة ولا تخضع للطعن بالمعنى القضائي، إلا أن العراق ما زال يمتلك مسارات قانونية ودبلوماسية لإعادة النظر في تنفيذ هذه القرارات أو تفسيرها، سواء عبر محكمة العدل الدولية أو من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أن إلغاء المحكمة الاتحادية لقانون التصديق على اتفاقية 2012، مهما كان سببه، يفتح الباب للطعن السياسي والقانوني في الاتفاقيات التي فُرضت تحت ظروف استثنائية.
ملاحظة: حصلت على ارقام الوثائق وتاريخها بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ويستطيع العراق من خلال سفارتيه في بريطانيا وتركيا وبطلب رسمي الحصول عليها.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز