
كتب علي لفتة سعيد: تبدو قضية غزّة أكثر عمقاً وتعقيداً من أي تحليل عابر يمكن أن يخطر على البال، فهي تتأرجح بين الانفعال العاطفي والحسابات العقلية، بين ما هو مطلوب من الفلسطينيين في الدفاع عن وطنهم وما يقوم به العالم من مواجهات مع “فصيل” كما يزعم، لا مع دولة قائمة.
ومع استمرار آلة القتل الصهيونية في التدمير الشامل لكلّ شيءٍ داخل غزّة، حتى باتت كلمة “صعبة” عاجزةً عن توصيف المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
في خضم ذلك، جاءت الخطة (الترامبوية) وكأنها الضوء الأخير في نفق الصراع، خصوصاً بعد تهديد ترامب الأقسى من الخطة نفسها، من أن رفضها سيؤدي إلى “المأساة الكبرى”، هذه الخطة، أو ما يسمى “مقترحات الرئيس الأمريكي”، يراها البعض تحمل وجهين متناقضين:
الأوّل: أنها امتداد لخطة ترامب السابقة بشأن السيطرة على غزة، ونقل السكان إلى دول مجاورة، وإعادة إعمارها بشكل تحويلي.
الثاني: أنها قد تكون الثغرة التي ينفذ منها رئيس وزراء الكيان الصهيوني للهروب من عزلته، بعد تزايد الاعترافات بالدولة الفلسطينية وتجدّد الحديث عن حل الدولتين، لكن السؤال الأهم، ما هي إيجابيات وسلبيات الخطة الترامبوية؟.
واحدة من أعقد النقاط التي طرحتها الخطة، أنها وضعت إدارة غزّة بيد مجلس عالمي يرأسه الرئيس الأمريكي نفسه، إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير (المرفوض فلسطينياً)، وذلك ضمن مقترح يضم 20 نقطة تهدف إلى إنهاء الحرب بين “إسرائيل” وحماس، من أبرزها، وقف إطلاق النار الفوري إذا وافقت الأطراف، تبادل الأسرى، وانسحاب مرحلي لقوات الاحتلال من بعض مناطق غزّة، وتفكيك القدرات العسكرية لحماس عبر نزع سلاح عناصرها، وتشكيل حكومة انتقالية تقنية تشرف عليها جهة دولية لتسيير شؤون غزّة خلال المرحلة الانتقالية.
كما تضمنت إنشاء قوّة استقرار دولية لحفظ الأمن، وتدريب شرطة فلسطينية، ومراقبة تنفيذ التهدئة، وتقديم مساعدات إنسانية واسعة، وكذلك إعادة بناء البنى التحتية.
صحيح أن قطاع غزة قد دُمِّر بشكل شبه كلّي، وأن المواطن الفلسطيني يعاني من الجوع والعطش والتشرّد وفقدان أبسط الخدمات، لكن الجانب السلبي في الخطة يتمثل بانتهاكها الصريح لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
إذ إن الحديث عن نقل قسري أو إعادة توطين جماعي لسكّان غزّة يتعارض مع اتفاقيات جنيف، وقد يُصنَّف كجريمة حرب أو حتى تطهير عرقي إذا فُرض بالقوة، كما أن الخطة لا تُلزم الكيان الصهيوني بوقف كلي للعمليات العسكرية أو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ولا تحدد جدولاً واضحاً للانسحاب من الأراضي المحتلة أو لفتح المعابر.
العالم قد ينظر إلى الخطّة بنوعٍ من الجاذبية لأنها تبحث عن “وقف آلة القتل” فوراً، لكنها تتجاهل الرؤية البعيدة التي تضّمن عدم تكرار الحرب، خصوصاً وأن “إسرائيل” لا تحترم القرارات الدولية، بل قصفت حتى دولاً وسيطة كقطر.
ويرى المحايدون أن الخطّة لا تضع مساراً معترفاً به لإقامة دولة فلسطينية، ولا تمنح السلطة الفلسطينية دوراً فعّالاً، مما يضعف مشروعيتها ويجعلها أشبه بإعادة هيكلة شكلية دون معالجة جذور الصراع.
الأخطر أن المقترحات تصب في صالح الكيان عبر نزع سلاح حماس بالكامل وإقصائها عن الدور السياسي، وهو أمر صعب التنفيذ عملياً وسياسياً، بل يعتبر مستحيلاً من وجهة نظر الحركة التي ترى نفسها طرفاً مقاوماً، كما أن ربط وقف إطلاق النار بتبادل الأسرى يمنح نتنياهو متنفساً أمام الضغط الداخلي في “إسرائيل”، ويدعمه في مواصلة القتل والدمار، بدلاً من التوجه الجاد لحل الدولتين.
اليوم يقف الشعب الفلسطيني في غزّة على أعتاب شتاء قاسٍ، يبحث عن بصيص أمل، فيما تجد حماس نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما القبول بخطّة تفقدها دورها، أو رفضها وما يترتّب عليه من مأساة أكبر.
ومع ذلك، يبقى صوت الفرد الفلسطيني هو الأجدر بالاستماع، لا صوت الرصاص وحده، فالمعادلة الأصعب اليوم هي كيف نوازن بين كفّة الجوع والعطش والموت، وبين كفّة المقاومة والصمود في وجه آلة الحرب؟.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز