اخبار اسلامية
أخر الأخبار

خطبة صلاة الجمعة في خانقين بإمامة الشيخ حسين المندلاوي

أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بمسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى (ع) في خانقين/منطقة علي مراد، بإمامة الشيخ حسين المندلاوي، وحضور جمع مبارك من الإخوة المؤمنين.

 

وكان محور الخطبتين حول الخطبة المركزية الموحدة (رجب شهر التوبة الاستغفار)، وتابعتهما “النعيم نيوز”:

“بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَقُلْتُ‌ اسْتَغْفِرُوا‌ رَبَّكُمْ‌ إِنَّهُ‌ كانَ‌ غَفَّاراً‌ * يُرْسِلِ‌ السَّماءَ‌ عَلَيْكُمْ‌ مِدْراراً‌ * ‌وَ‌ يُمْدِدْكُمْ‌ بِأَمْوالٍ‌ وَ‌ بَنِينَ‌ وَ‌ يَجْعَلْ‌ لَكُمْ‌ جَنَّاتٍ‌ وَ‌ يَجْعَلْ‌ لَكُمْ‌ أَنْهاراً﴾ (سورة نوح: الآيات 10-12)).

نستقبل بعد ثلاثة أيام إن شاء الله تعالى- واحداً من أعظم شهور السنة، شهراً هو أحد مفاتيح القرب إلى الله تعالى، يغمر الله فيه عباده بالرحمة، وقد سُمّي رجب الأصبّ؛ أي الشهر الذي تُصبّ فيه الرحمة على العباد صبّاً، وإنّ الوقوف عند هذا الشهر ليس وقوف تعريفٍ بمناسبة، بل وقوف تأمّلٍ وبصيرة، نقرأ فيه معاني الرحمة، ونستحضر أهمّيّته في المسار الإيمانيّ، ونسأل أنفسنا كيف نُحسن اغتنام أيّامه، وكيف نتهيّأ بما يُعرِّض القلوب لنفحات الله فيه.

المحور الأول: معنى “رجب الأصبّ” وسبب تسميته

لقد ورد في الروايات أنّ هذا الشهر سُمّي «الأصبّ»؛ لأنّ الرحمة تُصبّ فيه صبّاً على عباد الله، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): وسُمّي رجب شهر الله الأصبّ؛ لأنّ الرحمة على أمّتي تُصبّ صبّاً فيه».

وفي هذه التسمية رسالة عميقة؛ فالصبّ يدلّ على السخاء والغزارة وعدم الانقطاع؛ وكأنّ الله تعالى يريد أن يعرّفنا بأنّ باباً واسعاً قد فُتح لنا في هذه الأيّام، وأنّ علينا أن نتهيّأ لتلقّي هذا الفيض الإلهيّ بالإنابة والطاعة والتوجّه إليه تعالى.

إنّه شهر يبدأ به المؤمن مساره الروحيّ، فيضع فيه الأساس، ويهيّئ القلب، لتتواصل هذه المسيرة في شهر شعبان، وتبلغ ذروتها في شهر رمضان؛ ولذلك كانت أيّامه الأولى فرصةً حقيقيّة لفتح صفحة جديدة مع النفس، ومن هنا اكتسب شرفيته، يقول سماحة الشيخ المرجع (دام ظلُّه): (إن عظمة شهر رجب تأتي من جهتين (أولهما) شرفه الذاتي، والقيمة الكبرى التي أعطيت لمن أدى عملاً فيه بما لا ترقى إليه نفس الأعمال في شهور السنة الأخرى بحسب ما ورد في الروايات الشريفة حتى سُمّي (رجب الأصب) لأن الرحمة تُصبّ فيه صبّا، و(الثانية) أن الاستعداد لضيافة الرحمن في شهر رمضان تبدأ منه، حيث يتنعم أولياء الله تعالى بعيدهم في الشهر الكريم، فمن أراد أن يحظى بتلك الضيافة، ويفرح بعطاء الله تعالى في ذلك العيد، فلابد أن يبدأ بالعمل وتقديم الطلبات – كما يقال – من شهر رجب، لينظر فيها في شهر شعبان، ويمضي القرار الإلهي بها في شهر رمضان، وهذا هو المدخل الطبيعي لنيل الألطاف الإلهية الخاصة، وإن كانت رحمة الله تعالى أوسع من ذلك).

المحور الثاني: مكانة رجب في الروايات وكتاب الله

إنّ مكانة هذا الشهر العظيم تظهر لنا من خلال النصوص الكثيرة التي وردت في فضله، ومن أهمّها ما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ألا وإنّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمّتي».

ووصفُ الشهرِ بأنّه «شهرُ الله» يحمل دلالة عظيمة؛ إذ إنّ إضافة الشهر إلى الله تعالى إنّما هي إضافة تشريف وتعظيم، تنبّهنا إلى خصوصيّة في الزمان، وإلى عنايةٍ إلهيّة مضاعفة فيه؛ ومعنى ذلك أنّ الله تعالى يفتح في هذا الشهر أبواب القرب على نحوٍ أوسع، ويجعل العمل الصالح فيه أشدّ تأثيراً في تزكية النفس، وأنّ لحظاته هي ميدان عنايةٍ ورحمةٍ وفرصةٍ لمن أراد التقرّب إلى الله تبارك وتعالى.

وفي هذا السياق، تأتي رواية الإمام الكاظم (عليه السلام): «رجب نهر في الجنّة أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، مَن صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر»، لتُعبِّر بوضوح عن عظيم الجزاء الذي أعدّه الله تعالى لمن يعظّم هذا الشهر بالطاعة؛ فالرواية تتحدّث بوعد صريح، مؤكّدةً أنّ العمل في رجب ليس عملاً عاديّاً، وأنّ الصيام فيه يقترن بكرامةٍ خاصّةٍ في الآخرة، تُظهِر مقدار العناية الإلهيّة بهذا الزمان، وسعة الفضل المترتّب على اغتنامه.

إنّ هذه النصوص وأمثالها تستنهض العزائم، وتفتح أمام الإنسان باب الرجاء، فالسير إلى الله يقوم على ثبات النيّة واستقامة التوجّه، وإنّ شهر رجب واحد من أوسع المواسم التي جعلها الله تعالى ميداناً للعودة، وفرصة حقيقيّة لمن أراد الوصول إليه تعالى.

أمّا في القرآن الكريم، فإنّ الله تعالى يعرّفنا خصوصيّة الأشهر الحرم، ومنها شهر رجب، في قوله جلّ وعلا: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، وهذه الآية تُبيّن حرمةً خاصّة لهذه الأشهر، وأنّ مقتضى هذه الحرمة ليس مجرّد الامتناع عن الظلم الظاهر، بل الحذر من كلّ تقصيرٍ في الطاعة، وكلّ ما يُبعد الإنسان عن الله؛ لأنّ انتهاك الحرمة في الأزمنة المشرّفة أعظم أثراً وأشدّ تبعة.

المحور الثالث: شهر التهيئة لشهرَي شعبان ورمضان

إنّ للموسم الروحيّ في الإسلام مساراً متدرّجاً تصاعديّاً، يبدأ بشهر رجب، ويمتدّ في شهر شعبان، ليبلغ ذروته في شهر رمضان المبارك، وهذا الترتيب ليس عارضاً ولا اعتباطيّاً، بل يكشف عن منهجٍ تربويٍّ عميق في تهيئة الإنسان روحيّاً؛ ففي رجب تُفتح أمام المؤمن فرصة التخلّي عمّا أثقل قلبه من ذنوب وغفلة، ليبدأ مسار التنقية والمراجعة، ثمّ يأتي شعبان ليُعمِّق هذا المسار، فتقوى فيه الصلة بالله، ويزداد الذكر، وتشتدّ رابطة القلب بالنبيّ وآله، فتصفو النيّات وتتهيّأ الأرواح، أمّا شهر رمضان، فهو موسم التجلّي والكمال، حيث يبلغ المؤمن أفق القرب بالصيام والقيام وتلاوة القرآن.

ومن هنا كان من أهمّ روايات هذا الباب قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات، ألا فتعرّضوا لها».

المحور الرابع: شهر التوبة ومجاهدة النفس

إنّ من أعظم مقاصد شهر رجب التوبة الواعية الصادقة، التوبة التي تعني الرجوع الحقيقيّ عن الذنب، وإعادة توجيه السلوك، وتصحيح المسار، يقول تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فالتوبة في هذا الشهر سلوكٌ عمليٌّ يعيشه الإنسان مع نفسه، فيجاهد هواه، ويكسر عادات السوء، ويستعيد التوازن في علاقته بربّه وبالناس من حوله، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «صلاح النفس مخالفة الهوى»، و«بالمجاهدة صلاح النفس»، ورجب هو الميدان الأوسع لهذه المجاهدة الهادفة. ومن هنا، جاء الحثّ على الاستغفار في هذا الشهر، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « رجب شهر الاستغفار لأمّتي، أكثروا فيه الاستغفار، فإنّه غفور رحيم».

ويقترن الاستغفار في رجب بالعمل الصالح، من صدقة خالصة، ولو قليلة، كما ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «مَن تصدّق بصدقة في رجب ابتغاء وجه الله، أكرمه الله يوم القيامة في الجنّة من الثواب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، وكذلك بالسعي في الإصلاح بين الناس، وهو من أعظم القربات، وقد قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ .

المحور الخامس: شهر الاستغفار

ورد عن عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): رَجَبٌ شَهْرُ اَلاِسْتِغْفَارِ لِأُمَّتِي، أَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ اَلاِسْتِغْفَارِ، فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَشَعْبَانُ شَهْرِي. اِسْتَكْثِرُوا فِي رَجَبٍ مِنْ قَوْلِ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ، وَسَلُوا اَللَّهَ اَلْإِقَالَةَ وَاَلتَّوْبَةَ فِي مَا مَضَى، وَاَلْعِصْمَةَ فِي مَا بَقِيَ مِنْ آجَالِكُمْ».

تُنبِئُ التسميةُ الخاصّةُ لهذا الشهرِ بـ« شهرِ الاستغفارِ» عن عظمةِ هذا العملِ فيهِ، ممّا يحثُّ الإنسانَ على أن يجعلَ من أهمِّ ما يعتني بهِ في هذا الشهرِ التخلّصَ منَ الذنوبِ، والتحلُّلَ من آثارِها. وليسَ الاستغفارُ مجرّدَ ذكرٍ لسانيٍّ، بل لا بدَّ من أن يقترنَ بالبحثِ عنِ الحقوقِ وأدائِها، سواءٌ أكانَت من حقوقِ اللهِ تعالى أم من حقوقِ الناسِ.

وأن يلهجَ لسانُ الإنسانِ بالاستغفارِ في هذا الشهرِ، فإنّما هوَ ليُقرِنَ القولَ بالعملِ، وليبقى في حالةِ يقظةٍ مستمرّةٍ، فلا يغفلَ، ولا يقعَ مرّةً أُخرى في أسبابِ العقوبةِ، وقد وردَ في المرويِّ عنِ النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ قَالَ فِي رَجَبٍ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» مِئَةَ مَرَّةٍ، وَخَتَمَهَا بِالصَّدَقَةِ، خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ».

وإنَّ للاستغفارِ والتوبةِ آثاراً عظيمةً على الإنسانِ، منها:

1. الخيرُ والبركةُ: ثمّةَ ارتباطٌ وثيقٌ بينَ الاستغفارِ وصلاحِ المجتمعِ ونزولِ البركاتِ والحياةِ الطيّبةِ، قالَ تعالى حكايةً عن هودٍ (عليه السلام): ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ .

وعنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام)، عن آبائِهِ (عليهم السلام): « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه واله): مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنِ اسْتَبْطَأَ الرِّزْقَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَمَنْ حَزَنَهُ أَمْرٌ فَلْيَقُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».

2. الأمانُ منَ العذابِ: من آثارِ الاستغفارِ الطيّبةِ رفعُ العذابِ عن هذهِ الأمّةِ، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا، فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ؛ أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله)، وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالاسْتِغْفَارُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾».

3. طردُ الشيطانِ: الاستغفار يُبعِدُ الشيطانَ ويُحبِطُ مؤامراتِهِ، فعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) لأصحابِهِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ، إِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ، تَبَاعَدَ الشَّيْطَانُ عَنْكُمْ كَمَا تَبَاعَدَ الْمَشْرِقُ مِنَ الْمَغْرِبِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُؤَازَرَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَقْطَعُ دَابِرَهُ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ».

4. طهارةُ القلوبِ: الاستغفارُ -كما وردَ في النصوصَ الشريفةَ- يُجلي القلوبَ ويُطهِّرُها من كلِّ خَبَثٍ ونَجَسٍ، قالَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه واله): «إِنَّ لِلْقُلُوبِ صَدَأً كَصَدَأ النُّحَاسِ، فَاجْلُوهَا بِالاسْتِغْفَارِ».

نسأل الله تعالى أن يكتبنا في هذا الشهر من التائبين المقبولين، وأن يغمرنا برحمته الواسعة، وأن يثبّت أقدامنا على صراط الحقّ، والحمد لله ربّ العالمين”.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى