
حكمة التغيير الإداري… قراءة رسالية في فهم القرارات وصيانة النفوس.. [الحلقة الثالثة] السيد رسول الياسري
“قراءة قرآنية في الأنشطة التي تقتل الأهداف باسم الإنجاز”
أيها الأخوة العاملون،
إن من أخطر ما يبتلى به العمل الديني والاجتماعي والإصلاحي أن يتحول من وسيلة لتحقيق الغايات الكبرى إلى غاية بحد ذاته، ومن مشروع واع لبناء الإنسان والمجتمع إلى نشاط أجوف لا يتجاوز حدود الشكل والظهور.
وحين ينتزع المضمون من العمل، تفرغ الرسالة من روحها، ويستبدل الإخلاص بالاستعراض، والتخطيط بالارتجال، والهدف بالصورة قال تعالى:﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ﴾
[التوبة: 109]
أيها الأحبة، النشاط في المفهوم القرآني ليس حركة فارغة، بل هو فعل واع مرتبط بهدف واضح، ومنفصل عن الأهواء والشهوات.
أما حين يمارس النشاط لأجل الظهور الإعلامي، أو تثبيت الأسماء، أو تسجيل الحضور، فإنه يفقد شرعيته الأخلاقية، ويغدو عبئا على الرسالة بدل أن يكون خادما لها، وأذكر مثالا لذلك قول الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
[النساء: 38]
فالرياء لا يفسد النية فحسب، بل يسقط العمل من ميزان القبول، ويحول الجهد إلى صورة بلا أثر.
ولنعلم جميعنا أن
من أخطر مظاهر الفراغ المضموني أن ينفذ النشاط دون معرفة:
هل هو ضمن برنامج استراتيجي؟
هل يحقق خطوة حقيقية نحو الهدف؟
هل يراكم الوعي أم يبدده؟
لذا نبهنا الباري عز وجل لقوله تعالى:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾
[الكهف: 103–104]
فالعمل غير المرتبط برؤية واضحة قد يكون – في ميزان القرآن الكريم – من أخسر الأعمال، لأنه يستهلك فيه الجهد ويضيع فيه العمر بلا ثمرة.
وحين يتحول النشاط إلى أداة لفرض الهيمنة، أو كسر الإرادات، أو تهميش المخلصين، فإننا نكون أمام انحراف خطير، لا يقل خطرا عن ترك العمل نفسه.
فالقرآن الكريم جعل العمل الإصلاحي قائما على الرحمة، والشورى، واحترام الطاقات.
قال تعالى:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
[آل عمران: 159]
وكل نشاط ينتج الإحباط بدل الأمل، ويكسر العزائم بدل بنائها، هو نشاط يناقض المنهج النبوي والقرآني، مهما رفعت له من شعارات، ولبس من ثياب.
كما إن أخطر ما يترتب على الأنشطة الفارغة من المضمون:
تحطيم الأهداف بدل الاقتراب منها.
تضييع الجهود البشرية الصادقة.
تبذير المال الذي هو أمانة شرعية.
خلق الصراعات داخل الصف الواحد فضلا عن الأطراف الأخرى .
توليد الإحباط لدى المخلصين.
إقامة العوائق أمام الجيل الصاعد.
فالنتيجة الحتمية للنشاط غير الواعي هي الفشل، مهما بدا في ظاهره ناجحا.
والأخطر من كل ما سبق أن هذا اللون من العمل قد يتحول إلى أوزار جارية، لأن آثاره السلبية لا تقف عند زمن أو جيل، بل تمتد في النفوس، وتورث الإحباط، وتشوه صورة العمل الرسالي.قال تعالى:﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾
[النحل: 25]
فكم من نشاط حسب في الدنيا إنجازا، وهو في الآخرة تبعة ومسؤولية ثقيلة!
أيها الأحبة، إن
القرآن الكريم وضع لنا معايير واضحة للعمل الرسالي الناجح، منها:
١_الإخلاص
قال تعالى : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾
٢_العلم والبصيرة قال تعالى : ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾
٣_الهدف الواضح:
قال تعالى ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾
٤_الأثر الحقيقي:
قال تعالى ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾
أيها الأخوة الكرام، إن أخطر ما يواجه مشاريعنا اليوم ليس قلة الإمكانات، بل فراغ المضمون، وليس ضعف الحركة، بل غياب البصيرة.
فالعمل الذي لا يقربنا من الهدف، ولا يبني الإنسان، ولا يرضي الله سبحانه وتعالى ، هو عبء يجب مراجعته، لا إنجاز يحتفى به.
نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، قائمة على الوعي والبصيرة، بعيدة عن الرياء والعبث، وأن لا يجعلنا ممن قال الله تعالى فيهم:﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾
[الفرقان: 23]
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز


