مقالات
أخر الأخبار

جرحى الاعتداءات الصهيونية.. من نزيف الجراح إلى مشاعل الوعي والنهضة

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139).

إن الجراح في ميزان المجتمع الإيماني ليست نهاية طريق، بل شرارة انطلاقة، والأمة الواعية لا تغرق نفسها في العويل، بل تحول الألم إلى أمل، والعجز الظاهري إلى طاقة للمقاومة والبناء.

 

ومن لبنان الإباء بجهاده إلى العراق الكبير بعطائه، ومن فلسطين الصمود إلى إيران الإسلام ويمن العروبة وسائر بلاد المواجهة للاستكبار العالمي، تنزف الأمة دماء زكية، لكنها في ميزان الوعي ليست خسائر، بل مشاريع حياة وصناعة وعي ونهضة.

ومن هنا وجب علينا استثمار هذه التضحيات لنحول التحدي إلى فرصة، الهزيمة الظاهرية أو بعبارة أدق هزيمة بعين العدو إلى نصر مضاعف، عبر جملة من المسارات:

١ ـ الاستثمار العلمي والمعرفي

إن الجرحى الذين أُصيبوا في أجسادهم قادرون على الإبداع، إذا وفرت لهم بيئة علمية حاضنة في ميادين الطب والهندسة والإعلام والتقنية وما إلى ذلك، وكثير منهم طاقات علمية أصيلة، لا يحتاجون إلا إلى رعاية بسيطة، ليفيض عطاءهم على المجتمع بأسره، تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11).

فرفعة الجريح ليست بوسام الألم فحسب، بل يضاف له علمه الذي يبني الأمة ويؤمن استقلالها.

٢ ـ الاستثمار القيادي والحركي

إن الإنسان لا يقاس عضلاته _ وإن كان لها دور في بعض مراحل العمل _ بل بإرادته.

وكثير من الجرحى، بما عاشوه من ميادين وابتلاءات، مؤهلون لقيادة المشاريع الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهو ما أوضحته الآية الكريمة :﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ (السجدة: 24).

٣ ـ الاستثمار الأخلاقي والروحي

الألم ليس زاوية مظلمة، بل باب للصبر والتقرب إلى الله، وينتج عنه مربون يغرسون في الأجيال معاني التضحية واليقين، وما كربلاء عنا ببعيد، لذا يزف الله تعالى البشرى للصابرين قائلاً: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُو۟لَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُو۟لَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾ (البقرة).

٤ ـ الإلهام لذوي الاحتياجات الخاصة

أو على التعبير الحديث والأكثر لطفاً أصحاب الهمم

أيها الأحبة، إن من يفقد ساقه في المعركة ويواصل دربه يبعث برسالة أمل لكل ذي عجز أو إعاقة، وليكن معلوماً أن النقص الجسدي لا يلغي الكمال العقلي والروحي، بل قد يجعله أكثر إلهاما إذا تساوى أو تفوق في العطاء وإكمال المسيرة على الأصحاء، وبذلك يجسدون قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَع الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح: 6).

٥ ـ استثمار المواهب والخبرات

الكثير من الجرحى يحملون طاقات أدبية وفنية وإعلامية، أو خبرات عسكرية وأمنية حية ينبغي نقلها للأجيال، لتكون الأمة أكثر وعياً وجاهزية، وهذا ما يصح عليه إطلاق تفعيل جميع الطاقات المتاحة لتحقيق النصر وهو ينسجم مع قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60).

٦ ـ المشروع الإعلامي وصناعة الوعي

كما لا يجوز أن تختزل الجراح في مشاهد العزاء والبكاء، بل ينبغي أن تتحول قصص الصمود إلى محتوى يلهم الشعوب ويفضح العدو، فجهاد الكلمة لا يقل شأناً عن جهاد السلاح، بل قد يكون أمضى أثرا في رفع الهمم وفت عضد العدو، قال تعالى: ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان: 52).

كما يجب أن توثق هذه التجارب وتدرس للأجيال، وهو ما تعلمناه من جراح كربلاء التي لم تكن نهاية، بل بداية نهضة خالدة.

أيها الأحبة الكرام… إن جرحى الأمة ليسوا أصحاب ألم فحسب، بل مشاعل وعي ومشاريع بناء، واستثمار طاقاتهم واجب ديني ووطني وأخلاقي وإنساني، حيث تحويل الدماء والجراح إلى جسور للنهضة، وتثبيت موقعية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي علمتنا أن كل جرح بداية وعي، وكل دم بذرة نصر، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69)

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ (يوسف: 21).

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.

والسلام على الجراح النازفات بالعطاء، والآلام التي تحرك الأمة نحو الأهداف الأسمى والأرقى لتبقى الأمة حية لا تموت .

الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
________

كتبت هذه المقالة في أيام محرم الحرام مستلمهاً المقال من عطاء سيدي ومولاي العباس بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين).

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى