
كتب حسن الكعبي: مع اقتراب موعد الانتخابات، يعيش الشارع العراقي هذه الأيام حالة من الانقسام الحاد بين من يرى في المشاركة الانتخابية واجباً وطنياً لا غنى عنه، وبين من يدعو إلى المقاطعة بوصفها احتجاجاً على واقع سياسي مأزوم تهيمن عليه شبكات الفساد والمحاصصة.
في ظل هذا الجدل المتصاعد، تتكرّر الأسئلة الكبرى حول جدوى الانتخابات وقدرتها على إحداث التغيير المنشود، في بلدٍ أثقلته التجارب الفاشلة والخيبات المتكررة.
لقد كان سقوط النظام الديكتاتوري السابق حدثاً مفصلياً فتح الباب أمام تجربة ديمقراطية جديدة، حملت في بداياتها آمالاً واسعة بتحقيق العدالة والشفافية والمواطنة.
غير أن تلك التجربة ما لبثت أن تراجعت تحت وطأة الفساد المالي والإداري الذي تغلغل في مفاصل الدولة، فتحوّلت الديمقراطية تدريجياً إلى واجهة شكلية تُدار من خلفها مصالح حزبية وشخصية ضيقة، لتصبح صناديق الاقتراع عند كثيرين مجرّد طقسٍ سياسي لا يغيّر في واقع الحال شيئاً.
ومع تفاقم الأزمات وتردّي الأوضاع المعيشية، بدا أن الإحباط الشعبي أخذ يتّسع، فتحوّلت المقاطعة عند البعض إلى موقف احتجاجي، بل إلى ما يشبه “عقاباً جماعياً” للنخبة السياسية.
لكن المقاطعة – على الرغم من وجاهة دوافعها – ليست حلّاً عملياً ولا طريقاً إلى الإصلاح، بل قد تكون في جوهرها فرصة إضافية للفاسدين كي يعيدوا إنتاج أنفسهم من دون منافسة حقيقية، إن التغيير لا يصنعه الغياب بل الحضور، فالمشاركة الواعية في الانتخابات هي الفعل الأنجع للتعبير عن الرفض، وهي الوسيلة السلمية الأرقى لتصحيح المسار السياسي.
ومن المهم أن يدرك الناخب العراقي أن الورقة التي يضعها في الصندوق ليست مجرّد صوتٍ انتخابي، بل هي موقف وطني وأخلاقي يحدّد شكل السلطة ومستقبل البلاد، لقد نضجت التجربة السياسية في العراق بما يكفي لتمييز السياسي الانتهازي عن السياسي المصلح، فالأول يبحث عن مكسب شخصي وموقع سلطوي، بينما الثاني يحمل همّ الوطن ويسعى بصدق إلى ترميم ما تهدّم، غير أن فرصه تظل محدودة في ظل عزوف الناخبين وتراجع المشاركة الشعبية.
ومن هنا، فإن المشاركة في الانتخابات ليست واجباً سياسياً فحسب، بل هي دعم مباشر لقوى الإصلاح وإقصاءٌ رمزيٌّ لمن اعتادوا الاتكاء على اللامبالاة العامة.
إنّ العراق اليوم أمام مفترق طرق فإما أن يواصل دورة الإحباط والفساد، أو أن يمنح لنفسه فرصة جديدة من خلال انتخابات نزيهة وواعية تعيد الثقة إلى العملية السياسية وتؤسس لمستقبلٍ مختلف، ولن يتحقق ذلك إلا بإدراك المواطنين أن الإصلاح لا يأتي من الخارج ولا من فوق، بل من إرادتهم الحرة التي تتجسّد في صناديق الاقتراع.
في النهاية، ليست الانتخابات مجرد موسم سياسي عابر، بل هي اختبار متجدد لمدى نضج الوعي الجمعي وقدرته على حماية الديمقراطية من التآكل، ومن يختار المقاطعة بدافع اليأس، يمنح الفاسدين فرصةً جديدة للهيمنة، أما من يختار المشاركة بوعي، فهو يمارس أرقى أشكال المقاومة السلمية من أجل وطن يستحق الحياة.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز