بإمامة الشيخ مؤيد الشافعي.. خطبتا الجمعة في جامع الإمامين الجوادين (ع) بالديوانية

أقيمت صلاة الجمعة المباركة، في جامع الإمامين الجوادين (ع) بمحافظة الديوانية، بإمامة الشيخ مؤيد الشافعي.
وكانت الخطبة الاولى، تحت عنوان الخطبة ( السيد الشهيد الصدر .. سيرة الموافق الشجاعة الرافضة للظلم والطغيان) وتابعتها “النعيم نيوز”، في ظل تحولات خطيرة وكبيرة عاشها العراق وأدخلته في ظروف الحصار والجوع والقمع الداخلي المتزايد ، تصدى الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر للمرجعية ولم يحسب أحد في حينه ان هذه المرجعية ستخلق ظاهرة تحول كبيرة وستقود جهدا تغييريا للواقع العراقي وستهز هذا الواقع من جذوره ومن ثم توجد أنماطا جديدة من علاقة المرجع بالسياسة وعلاقته بالسلطة والعلاقة بالأمة وإصلاحا حوزويا واجتماعيا بالشكل الذي حصل وبالإضافة الى ذلك تكتشف آليات اصلاح واليات تواصل ومنظومة مفاهيمية لم تكن سائدة ومتعارفة ، وتشكل ابداعا ذاتيا وخصوصيات لتجربة مرجعيتة.
وأضافت الى تجارب الفقيه الشيعي عبر التأريخ الثوري ، اضافات معرفية وفقهية واضحة ، معززة بسلوكية ثورية ، وخيار “فقهي” استشهادي له خصوصيته ووضوحه ، ولم يكن هذا التوصيف ممكنا لمرجعية الشهيد محمد الصدر الا بعد تراكم سريع وربما غريب في سرعته لفعالية مرجعيته التي شقت طريقها وسط صعوبات بالغة ومتاعب جمة واشكالات واعتراضات عادة ما ترافق المناهج الإصلاحية المرجعية ، التي تشكل هزات عنيفة لواقع راكد تحول الى ما يشبه الثوابت التي لا يمكن الخروج عليها ، خصوصا في بلد مثل العراق. بعد هذه المقدمة القصيرة نتطرق الى سيرة هذا الرجل العظيم الذي دخل التاريخ من اوسع ابوابه وأبى الا ان يسجل اسمه في صفحة القديسين والشهداء الذين روت دمائهم شجرة الاسلام المحمدي الاصيل.
السيرة والمنهج العلمي:
ولد في 23 مارس 1943 في الكاظمية ونشأ في أسرةٍ دينية ضمّت علماء كبار منهم والده محمد صادق الصدر وجده لأمه آية الله العظمى محمد رضا آل ياسين وهو من المراجع المشهورين وتزوج من بنت عمه محمد جعفر الصدر ورزق بأربعة أولاد منها هم مصطفى ومرتضى ومؤمل ومقتدى , وهو من اسرة آلصدر معروفة بالفضل والتقى والعلم والعمل ومكارم الاخلاق ، وقد كانوا مشعلا للهداية والنور ومركزا للزعامة والمرجعية الدينية ، تخرج الشهيد محمد الصدر من كلية اصول الفقه في النجف الاشرف في دورتها الاولى عام 1964 ميلادية ، وكان من المتفوقين في دروسه الحوزوية كما تؤكد روايات زملائه من تلاميذ استاذه وابن عمه المرجع الشهيد محمد باقر الصدر الذي تزوج ثلاثة من أولاد الصدر الثاني وهم مصطفى ومقتدى ومؤمل من بناته . وباشر سماحته بتدريس الفقه الاستدلالي ( الخارج) أول مره في عام 1978م ، وكانت مادة البحث آنذاك من ( المختصر النافع) للمحقق الحلي ، وبعد فترة باشر ثانية بإلقاء أبحاثه في الفقه والاصول ابحاث الخارج عام 1990م واستمر في ذلك متخذا من مسجد الرأس الملاصق للصحن الحيدري الشريف مدرسة وحصنا روحيا لأنه أقرب بقعة من جسد مولانا أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام.
بذل الشهيد الصدر الثاني جهودا كبيرة في بحوثه عن الامام المهدي المنتظر(عج) واصدر موسوعة بهذا الصدد قال عنها الشهيد الاول محمد باقر الصدر قدس الله نفسه الزكية : { وسأقتصر على هذا الموجز من الافكار تاركا التوسع فيها وما يرتبط بها من تفاصيل الى الكتاب القيم الذي امامنا ، فإننا بين يدي موسوعة جليلة في الامام المنتظر عليه السلام وضعها أحد أولادنا وتلامذتنا الاعزاء وهو العلامة البحاثة السيد محمد الصدر- حفظه الله – وهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي حول المهدي -عليه السلام – في احاطتها وشمولها لقضية الامام من كل جوانبها ، وفيها من سعة الافق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات ما يعبّر عن الجهود الجليلة التي بذلها المؤلف في انجاز هذه الموسوعة الفريدة ، واني احس بالسعادة وانا اشعر بما تملأه هذه الموسوعة من فراغ وتعبّر عنه من فضل ونباهة وألمعية واسال الله المولى سبحانه وتعالى ان يقر عيني به ويريني فيه علما من أعلام الدين) .
أساتذته
لقد درس قدس الله روحه عند الامام الخميني ، والشهيد محمد باقر الصدر ، وآية الله الخوئي ، وآية الله الحكيم وآخرين ، فنحن عندما نتجاوز المشترك الفقهي لهؤلاء الثلاثة رضوان الله تعالى عليهم ، يمكن لنا القول انه رحمة الله عليه استلهم الفكر الثوري من تجربة ودرس استاذه الامام العظيم الخميني قدس الله نفسه الزكية ، واستلهم هم المشروع التغييري في العراق من تجربة ودروس ونظريات استاذه آية الله شهيد القرن محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه الذي يعد أكبر مفكر اسلامي في العصر الحديث ، ولذا يمكن القول ان الشهيد الصدر الثاني عليه الرحمة قد وظف بالإضافة الى قدراته الفقهية التقليدية تجربتين في تجربته ، التجربة الخمينية ، والتجربة الصدرية الاولى ، فهو توجه بكل جهوده الى الجانب الاصلاحي العملي الذي يحقق حضورا تغييريا في وسط الامة بعد ان لاحظ ان المرحلة التي يمر بها العراق هي بحاجة الى المرجعية الحاضرة وسط الامة والى اصلاح الحوزة من جانب آخر والمتابع لحركة الشهيد يقرأ بوضوح التجربتين في عمله ونشاطه
هذا مختصر مفيد عن حياة شهيدنا الغالي الصدر ومن اراد ان يتوسع في ذلك وخصوصا في مشروعه التغييري فليرجع الى كتاب الاستاذ عادل رؤوف مرجعية الميدان .
ترعرع في أجواء العلم وحفظ القرآن والدراسة الحوزوية في النجف الأشرف، عُرِفَ منذ صغره بتحديه للأنظمة الحاكمة ومقارعتها، خاصة النظام البعثي الصدامي المباد، وتجلى هذا التحدي بإقامته (قدس سره) صلاة الجمعة وتصديه بنفسه لإمامتها في مسجد الكوفة، وتعميم إقامتها بمختلف المحافظات، وهو تحد لم يشهد له مثيل في تاريخ العراق منذ حقب طويلة، اتخذ السيد الصدر من هذه الحركة الفريدة والنوعية منبراً لتوعية أبناء الأمة وكذلك لإشهار سخطه من السياسة المحلية والدولية.
شارك السيد الصدر في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 ضد النظام الصدامي وسرعان ما تم اعتقاله من قبل عناصر الأمن إذ تعرض جسده الطاهر إلى أبشع أنواع التعذيب.
وفي عام 1993 تصدى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر للمرجعية الدينية بعد وفاة المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري، وسعى للحفاظ على الحوزة العلمية في النجف الأشرف فقام بخطوات عديدة أهمها إرسال المبلغين إلى أنحاء العراق كافة لتلبية حاجات المجتمع.
ادى السيد محمد صادق الصدر دوراً مهما في تاريخ العراق المعاصر، فقد أسهم وبفاعلية في تحريك أبناء الشعب العراقي و العربي و الإسلامي لتغيير الحكم القمعي و اللاإنساني، من خلال مرجعيته الناطقة، و إحياء صلاة الجمعة المليونية والتي كانت ممنوعة على الشيعة، فلا يزال صداها يرسم أفق الحيـاة بمرافقها العامة، ولاسيما ما حصل في الانعطافة التي حـدثت في المرجعية (الناطقة) في النجف الأشرف، و الدور الذي لعبه السيد محمد الصدر في تغييـر واقع الشعب العراقي من خلال مرجعيته ((الناطقة)).
وبسبب دعواته الإصلاحية وجرأته أصبح السيد الصدر مصدر إلهام روحي لأغلب العراقيين لاسيما الشباب، الأمر الذي جعل النظام البعثي يشعر بخطورة السيد الصدر على بقائه، فأقدمت الأجهزة القمعية التابعة لدوائر الأمن باغتيال هذا العالم الرباني الكبير الذي وضع بصمة في ضمير الأمة ونقش على جبينها كلماته الثلاث المشهور( كلا كلا أميركا.. كلا كلا إسرائيل.. كلا كلا للشيطان) وفي يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة الموافق التاسع عشر من شباط عام 1999 تعرض السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر لعملية ملاحقة من قبل سيارة مجهولة بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف باتجاه منزله في منطقة الحنانة برفقة نجليه السيدين الشهيدين مؤمل ومصطفى، فأطلقوا النار على السيارة التي كان يستقلها مع نجليه وسرعان ما اصطدمت العجلة بشجرة قريبة، فترجل المهاجمون من سيارتهم وبدأوا بإطلاق النار بكثافة على السيد الصدر ونجليه فاستشهد السيد مؤمل فوراً، أما السيد محمد محمد صادق الصدر فقد تلقى جسده الطاهر رصاصات عدة، ولكنه بقي على قيد الحياة، وعند نقله إلى المستشفى تم قتله برصاصة بالرأس من قبل أزلام النظام المباد، أما السيد مصطفى فأصيب بجروح ونقل إلى المستشفى من قبل الأهالي وتوفى هناك متأثراً بجراحه.
وعلى إثر انتشار خبر استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر شهدت مناطق جنوب العراق ومدن عديدة في العاصمة بغداد، غضباً شعبياً عارماً عرف بانتفاضة الصدر 1999 التي قاومها النظام البعثي وأجهزته بالقتل والاعتقالات والمطاردات.
فسلام على مرجع الأحرار والفقراء , ومن أحيا الجمعة , ولبس الأكفان , وقال لا بوجه اعتى الطغاة ورحمة الله وبركاته