
أقيمت صلاة الجمعة المباركة بمسجد جنات النعيم في كربلاء المقدسة، بإمامة الشيخ فيصل التميمي.
وكانت الخطبة بعنوان “عنصر الرمزية في القصص القرآني” وتابعتها “النعيم نيوز”:
بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم معاجز القصص القرآني هو عنصر الرمزية الذي يجعله حيًّا في كل زمان، وجيلاً بعد جيل، وعصرًا بعد عصر. فرغم أن القصص القرآني الوارد في الكتاب العزيز قصص واقعية، إلّا أنه يحمل في طيّاته عِبَرًا ودروسًا خالدة تصلح لكل زمان ومكان، إذ هو من كلام الحكيم المطلق والعليم المطلق، الذي يعلم خفايا عباده وما يصلحهم وما يفسدهم، قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ ولذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى اختار من قصص الأوّلين ما فيه نفعٌ وهدايةٌ كاملة للبشرية عبر الأجيال، وجعلها من آيات إعجازه، فهي ليست مجرد حكايات تاريخية، بل نماذج رمزية متكرّرة. قال تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ فالانتقاء الإلهي لبعض القصص دون غيرها دليل على وجود حكمة وبصيرة وراء كل قصة، وهدايةٍ مخصوصةٍ يريدها الله لعباده.
وفيما يلي بعض النماذج الرمزية من شخصيات القصص القرآني:
أولاً) إبليس – رمزية العصبية والتمييز: يمثل إبليس في القصة القرآنية رمزًا للغرور والعصبية القبلية والعنصرية، حينما قال متكبرًا: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ هذه العبارة تمثل منهجًا شيطانيًّا متكرّرًا في كل عصر، فكل من يرى نفسه أفضل من غيره بسبب نسبه أو قبيلته أو لونه أو طبقته أو موقعه الاجتماعي، إنما يتّبع نهج إبليس في التمييز والتكبّر، فالعصبية القومية أو الطائفية أو الطبقية، كمن يتفاخر بأنه من “المدينة” أو من “القبيلة الفلانية”، هي من رواسب “أنا خير منه”.
ثانياً) فرعون – رمزية الاستبداد والطغيان: يمثل فرعون النموذج الرمزي للطغاة في كل عصر، فهو القائل: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ وهذا منهج كل متسلّط يرى نفسه فوق الناس، سواء أكان حاكمًا أو قائدًا أو حتى ربّ أسرة أو مديرًا أو شيخ عشيرة. فقول فرعون “أنا ربكم الأعلى” يتجسّد اليوم في كل سلطةٍ تمارس الهيمنة على العقول والقلوب. كما قال أيضًا: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ وهذه الآية تعبّر عن النظرة الأحادية، ورفض الرأي الآخر، وهو ما نجده في كثير من الأنظمة والفكر المتسلّط الذي لا يرى إلا نفسه، ولا يسمح بالحوار أو النقد. في المقابل، يظهر مؤمن آل فرعون كرمزٍ مضادٍّ للطغيان، إذ قال ناصحًا: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ وهذا النموذج هو صوت الحق في وجه السلطان الجائر، الذي قد يتمثل اليوم في العلماء الربانيين والقيادات الإصلاحية التي تنصح وتدافع عن المجتمع رغم المخاطر، كما في حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أفضل الجهاد كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر».
ثالثاً) الخوف الفرعوني والخوف الإيماني: قال فرعون مبرّرًا قتله للأنبياء والمصلحين: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾إنه خوف كاذب، يستعمله الطغاة لتخويف الناس من الإصلاح والتغيير، تمامًا كما تخيف القوى الاستكبارية المعاصرة الشعوب من الإسلام أو من المقاومة تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، بينما هي صانعة الإرهاب الحقيقي. أمّا الخوف الإيماني الحقيقي فهو خوف مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ إنه خوف نابع من الغيرة على الدين والمجتمع، وخشيةٍ من عذاب الآخرة، وهو خوفٌ صادقٌ يبعث على الإصلاح لا على التضليل.
رابعاً) إخوة يوسف: رمزية الحسد ومبدأ تصفية الخصوم: قال تعالى:﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ هذه الرمزية تتجلى اليوم في صور متعددة من القتل المعنوي والمادي للأشخاص أو للأفكار والمناهج الإصلاحية.
فكل محاولة لإقصاء صوت الحق أو مشروع الإصلاح هي تجلٍ جديد لتلك النفسية لاغتيال قادة المقاومة إلى محاربة المرجعية أو رفض القوانين الإصلاحية مثل القانون الجعفري كل ذلك يعيد رمزية “اقتلوا يوسف” بصورة عصرية.
خامساً) أبو لهب وأم جميل: رمزية مواجهة المصلحين: تجسد سورة المسد نموذجاً رمزياً لمواجهة الرسالة الإلهية بالعنف والحسد العائلي، قال تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ ف أبو لهب يمثل رمزية عداء الأقربين للمصلحين، الذين يتحركون بدوافع الحسد والمكانة وأم جميل تمثل رمزية التحريض ونقل الفتن؛ فهي “حمالة الحطب” أي تجمع الوقود لإشعال نار الصراع.
سادساً) امرأة العزيز والنبي يوسف (عليه السلام): رمزية الصراع بين الشهوة والعفة، قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ وهي تجسد القصة رمزية الصراع الأبدي بين الشهوة والعفة، وبين الهوى والإيمان. وفي عصرنا الحديث، يُعاد إنتاج هذا الصراع من خلال الإعلام المضلِّل والهواتف الذكية التي تُغلق فيها “الأبواب” الرمزية ليُراود الإنسان عن دينه وعفته باسم الحرية والحداثة. ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ هو الاستباق بين منهجين: منهج العفة والحق، ومنهج الانحراف والباطل، وهو صراع دائم يتجلى في كل عصر.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز