مقالات
أخر الأخبار

المفاوضات النووية.. هل ما زالت كل الطرق تؤدي الی روما؟

كتب محمد صالح صدقيان.. جولة خامسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة انتهت وسط أجواء ضبابية غير واضحة المعالم في آلية الوصول لاتفاق يٌنهي تداعيات الملف الإيراني الشائك والمعقد إقليمياً ودولياً .

“تقدم ..غير محسوم” الكلمة الأكثر وضوحاً التي قالها الوسيط العماني وزير الخارجية في سلطنة عمان بدر البوسعيدي كتقييم لنتائج هذه الجولة من المفاوضات التي تركها رئيس الوفد الأميركي استيف ويتكوف لأسباب غير واضحة قبل أن تنتهي وهي مفارقة لافتة حدثت في هذه الجولة خصوصاً أنه منحاز لخيار المفاوضات ويتبنی الخيار السياسي والدبلوماسي من أجل التوصل مع طهران لاتفاق ينهي هذا الملف بعيداً عن الحرب والتصعيد.

لماذا ترك ويتكوف المفاوضات قبل أن تنتهي ؟ الرأي الراجح أنه أراد الضغط علی المفاوض الإيراني وإرباكه وإعطاء رسالة أن الموقف المتشدد الذي يتخذه اإيراني لايصل لنتيجة ولافائدة من الجلوس لوقت أطول في هذه المفاوضات التي فضَّل الإيراني الدخول فيها بطريقة غير مباشرة . ويتكوف أيضاً لم ينتظر ليصافح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي يرأس الوفد الإيراني كما كان في الجولات السابقة بل حتی أنه أظهر بأنه غير مكترث بأهمية الوقوف مع عراقجي بعد المفاوضات لنصف ساعة أو أكثر لينقل له تصوراته التي هي أهم مما دار من مراسلات بين الجانبين .

لا أدري هل أن عراقجي ذهب مساء الجمعة إلی أحد مطاعم البيتزا الإيطالية في روما كما فعلها في دمشق والقاهرة وإسطنبول ؛ لكن الذي أدريه أن مشكلة التخصيب كانت المشكلة المركزية التي حالت دون التوصل لــ “اتفاق” أو لــ “إطار اتفاق” طوال الجولات الخمس الماضية .

الزيارة التي قام بها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي لطهران الأسبوع الماضي للمشاركة في ندوة “حوار طهران” كانت مهمة لجهة حمله رسالة واضحة من واشنطن علی أنها تعارض إجراء أنشطة التخصيب علی الأراضي الاإيرانية وتوافق علی ماعدا ذلك من أجل التوصّل لاتفاق . هذه الرسالة وإن كانت بمعنی آخر حملها وزير الخارجية القطري الذي زار طهران في ذات الوقت ما دعا وزراء الخارجية الثلاثة العماني بدر البوسعيدي والقطري محمد بن عبد الرحمن والإيراني عباس عراقجي إلی عقد اجتماع ثلاثي لتدارس الموقف قبل تحديد تاريخ ومكان انعقاد الجولة الخامسة من المفاوضات علی خلفية المعلومات التي حملها الوزيران القطري والعماني لانقاذ المفاوضات . ويبدو أن عراقجي وافق على المشاركة في الجولة الخامسة وعدم ترك المفاوضات حتی لايعطي ذريعة للجانب الأميركي تاركاً الأمر للمرشد الإيراني الأعلی الإمام علي الخامنئي ليرد ببيان واضح ولسان فصيح أن إيران ترفض التخلي عن أنشطة التخصيب وأنها خط أحمر ؛ مُزيداً أنه لايعتقد أن هذه المفاوضات ستصل لنتيجة .

وفي حقيقة الأمر فإن المرشد دخل علی خط المفاوضات وأرسل رسالة تفاوضية وكأنه في صالة المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الأميركي حدد فيها مقاسات المطلب الإيراني الذي لايمكن التنازل عنه . بعد هذه الرسالة أصبحت المفاوضات “أكثر حرفية” – علی حدِّ تعبير عراقجي – وصار يعرف كل طرف الخطوط الحمراء للطرف الآخر .

ما تحدث به وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بعد المفاوضات فٌهم بأنه أعطی الوسيط العماني فرصة لتدوير الزوايا من أجل التوصل مع الجانب الأميركي لإيجاد حلٍّ لهذه الأنشطة .

الإيرانيون منذ البداية لم يكونوا في وارد التخلّي عن هذه الأنشطة علی عكس الجانب الأميركي الذي كان مرناً مع هذه الأنشطة وكان قابلاً أن تكون منخفضة النسبة في المفاوضات ؛ لكنه كان متعنتاً عندما يرجع إلی واشنطن وهذا مادلَّ علی أن هناك معارضة من قبل الصقور في وزارة الخارجية والأمن القومي والدفاع لهذه الأنشطة ومع برنامج نووي إيراني لايملك الروح الذي تحرك هذا البرنامج .

مصادر إيرانية مواكبة قالت إن طهران تعلم جيداً وجود تيار في داخل الولايات المتحدة بما في ذلك داخل إدارة الرئيس ترامب يتناغم مع اللوبي اليهودي والكيان الصهيوني للضغط علی إيران بكلِّ الوسائل المتاحة بما في ذلك المفاوضات لوضعها في زاوية صعبة لابتزاز قرار ؛ أما لتغيير عقيدتها النووية أو المساهمة في تأمين “الأمن الإسرائيلي” من خلال الكفِّ عن مساعدة فصائل محور المقاومة الموجَّهة ضد الكيان الصهيوني . وهذا التيار يعمل حالياً ليس لعرقلة مسار المفاوضات أو تحقيق أهداف معينة وإنما لانهيار المفاوضات وهو الخيار الأفضل له من أجل استخدام الخيار العسكري الذي يعمل على شيطنة إيران ويجعلها تحت ضغوط عسكرية وأمنية وسياسية وعقوبات اقتصادية لشلِّ حركتها في الاإقليم ؛ وإحداث خللٍ داخل المجتمع الإيراني يؤدي إلی فوضی يعجز النظام عن مواجتها .

في مثل هذه الأجواء يتم طرح بدائل وخيارات متعددة لأنشطة التخصيب في نسبتها ؛ وفي كميتها ؛ وفي نوع أجهزة التخصيب وعددها أو تعليقها بمدة زمنية معينة تتناسب مع حجم العقوبات التي تزال للتوصل لاتفاق ؛ في الوقت الذي لايزال الجانب العسكري يصعِّد من لهجته لمواجهة أي اعتداء وأن “يده علی الزناد” ومستعد لتوجيه رد حاسم يتجاوز التصور علی أي عمل عدائي من قبل العدو .

وكلمة أخيرة فإن طهران تعتقد أن قوانين ومواثيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجيز لأعضائها إجراء أنشطة تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود المستخدم لأغراض سلمية ؛ وإن هذه الوكالة لايمكن مساءلة أعضائها سياسياً وإنما فنياً تقنياً يعتمد علی تقارير المفتشين التابعين لها حصراً حتی أنها لايمكن الاعتماد علی تقارير استخباراتية مزعومة ؛ لكن الولايات المتحدة تعتبر إيران “دولة مارقة” دون أن تعرف علی من ؟ . في المقابل تعتقد إيران أن الولايات المتحدة دولة “متسلطة” “مهيمنة” لاتعترف بالقوانين الدولية ولامواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن ؛ وخير دليل علی ذلك انسحابها من اتفاق 2015 وعدم التزامها بقانون 2231 الصادر من مجلس الأمن الدولي.

المشكلة الحقيقية في كل ذلك انعدام الثقة بين الجانبين ؛ وللأسف لم يقدم الجانبان وحتی الوسيط العماني ما يعزز الثقة لأنه الأرضية المناسبة لاحتضان أي اقتراح أو برنامج للتوصل لاتفاق أو لتقصير المسافة للوصول لهذا الاتفاق العتيد .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى