مقالات
أخر الأخبار

العولمة والهويَّات المحليَّة

كتب أ.د. عبد الواحد مشعل: إن فهم العلاقة بين العولمة والهويات الثقافية المحلية في المجتمعات الإنسانية، يمثل مسألة تحتاج إلى دراسة وفحص أكاديمي متخصص، لما تشكله تلك العلاقة من مخاطر على الخصوصيات الثقافية المحلية.

 

ولعل موضوع أنثروبولوجيا العولمة من التخصصات التي تتصدى لمثل هذا الموضوع، وهذا يقود الباحثين فيها إلى دراسة أهداف وأيديولوجية العولمة، وفهم ماهيتها واختلافها عن العالمية التي تمثل تداخلاً حضارياً وتثاقفاً لا بدّ منه خلال التاريخ.

إلا أن العولمة هنا تختلف لأنها تريد فرض ثقافتها على ثقافات المجتمعات الإنسانية، وتهديد هويتها الوطنية لصالح أهدافها ونظمها، لذا فإن مكامن الموضوع تكمن في الصراع بين ما تريده العولمة، وما تحاول الثبات عليه الهويات الثقافية المحلية، وكذلك إشكالية قدرة هذه الهويات على تطوير قدراتها المعرفية والتكنولوجية بما يتوافق مع التراث الثقافي المحلي، والعمل على تحديثه.

فالعلاقة بين الهوية والثقافة المحلية في عصرنا الراهن قضية معقدة، لما تنطوي عليه العولمة من مضامين ثقافية قد لا تكون الخصوصيات الثقافية المحلية قادرة على استيعابها وتوظيفها لصالحها في عملية التحديث، ما يجعل إخفاقها في تحقيق ذلك عرضة للمخاطر المهددة لهويتها، عندئذٍ ستكون العولمة مربكةً لنظمها القيمية.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العولمة بمفهومها العام تعني تعميم النموذج الثقافي العالمي الواحد على المجتمعات الإنسانية، إلا أنها نفسها تحمل بداخلها تناقضاً واضحاً، ألا وهو إذكاء النزاعات والصراعات بين الإثنيات الثقافية المختلفة في المجتمعات النامية من خلال الدعوة إلى حقوقها الثقافية، ما يزيد على مخاطر عدم الاستيعاب لتلك المضامين، مخاطر أخرى مثل نشوب أنماط متعددة من الصراعات والنزاعات المحلية بين تلك الهويات.

لذا فإن فهم العلاقة التي تحكم الهوية الثقافية في المجتمعات الإنسانية خارج الدائرة الغربية والعولمة لا يمكن، إلا من خلال ما يجري من توغل اقتصادي، يكون له تأثيره لاحقاً في أنساقها الاجتماعية والثقافية.

إلا أن الأمر الذي يحمي هذه المجتمعات، ويعرقل ذلك الإرباك بعنوانه العريض، هو تلك المصدات الدفاعية لهذه المجتمعات، والمتمثلة بالدين، والتراث الحضاري، والاعتزاز بالهوية الثقافية التي تميزها، لذا تبرز أهمية الموضوع الذي تدرسه الأنثروبولوجيا المعاصرة، بتناولها موضوع العولمة الثقافية كناتج لبناءات اقتصادية وثقافية وفدت إلى المجتمعات التقليدية بواسطة وسائل الاتصال الحديثة، ناقلةً دعايات (الماركات الأمريكية، والأكلات السريعة المنتشرة في المحيط العالمي، وغيرها)، والتي مثّلت أنماطاً جديدة تأثر بها الشباب أكثر من غيرهم.

فالعالم يشهد تحولات ثقافية واسعة النطاق، وقد أخذت العولمة تتوغل في الثقافات الإنسانية، ساعدها في ذلك الثورة الاتصالية التي امتد تأثيرها إلى نطاق الكرة الأرضية بكامله، والذي يعد بحد ذاته تطوراً نوعياً فريداً لم تشهده البشرية من قبل، حتى بدأ العالم أمام الإنسان مفتوحاً، وسهل التفاعل معه، وهو ما أصبح يُطلق عليه بعصر العولمة.

فحرية الحركة أمام الإنسان أصبحت متاحة إلى بقاع الأرض المختلفة، حتى وجد العالم الأنثروبولوجي (داريوش شايغان) أن هذا العصر أنتج لنا (هوية بأربعين وجها)، وهو يعكس حجم التأثير الثقافي العولمي الذي يحيط بالمجتمعات المختلفة.

وهذا يكشف لنا حجم إشكالية العلاقة بين العولمة وهوية مجتمعاتنا المحلية، التي تسوقت أدوات العولمة بشكل واسع، ممثلةً بأدوات الاتصال الحديثة، حتى أصبح الأفراد صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، منكبين ساعات طويلة على تلك الأدوات، فلا تجد بيتاً يخلو منها، ولا تجد مجلساً يخلو منها، حتى في أقصى القرى النائية تجد أبناءها منكبين على الموبايل لساعات طويلة من الليل والنهار.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى