مقالات
أخر الأخبار

الذلة سنة للمعاندين والنصرة وعد للمؤمنين: تأملات في تاريخ بني إسرائيل

الحلقة الحادية عشر: لا تنخدعوا بـ”دبلوماسية الاختراق”… حين يتحول التقلب في البلاد إلى سلاح ناعم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى:

﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾

[غافر: 4]

 

تقدم هذه الآية الكريمة تحذيرا بالغ العمق، يتجاوز حدود الموعظة الدينية إلى صميم الوعي السياسي والأمني. فالمجادلة في آيات الله ليست مجرد خصومة فكرية عابرة، بل هي جزء من منظومة عدائية متكاملة، تهدف إلى طمس الحقائق الإلهية، وتشويه الرسالة السماوية، وتذويب الثوابت الربانية.

 

واللافت أن الله تعالى لا يحصر هذه الجدلية في ميادين الكلام والمناقشات التي يلبسون فيها الحق بالباطل لتحقيق أهدافهم، بل يربطها بحركة الدول الكافرة وتقلبها في الأقاليم والبلدان عبر أساليب متنوعة، إذ يقول سبحانه:

﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾

 

والتقلب هنا، بمعناه السياسي والاقتصادي والأمني، يشمل:

 

زيارات دبلوماسية مكثفة.

 

اتفاقيات اقتصادية مغرية ظاهرها التعاون، وباطنها الهيمنة.

 

مشاريع ثقافية وتنموية ظاهرها التنمية، وباطنها التجسس والسيطرة.

 

مؤتمرات ومنتديات دولية تتخفى خلف عناوين البراءة كحقوق الإنسان، وحماية البيئة، وأمثالها، بينما تحمل في طياتها أجندات خفية.

 

بل يشمل الأمر حتى أدوات الإعلام، والصحافة، والسياحة، التي باتت جزءا من أدوات الاختراق الناعم.

 

إذن، هذه الآية الكريمة ليست فقط بيانا لواقع فكري، بل تحذير عملي صريح من أشكال الغزو الناعم، الذي يمارسه الغرب وأدواته تحت مظلة الشرعية الدولية.

 

ومن هنا، لا يخفى على ذوي البصيرة من أهل الإيمان، وأصحاب الوعي السياسي والأمني، أن مؤسسات مثل:

 

مجلس الأمن الدولي،

الأمم المتحدة،

الوكالة الدولية للطاقة الذرية،

صناديق التمويل العالمية،

منظمات حقوق الإنسان المسيسة،

 

كلها تتحرك ضمن دائرة “تقلّبهم في البلاد”، ظاهرها الحياد والإنصاف، وباطنها خدمة مشاريع الكيان الصهيوني، والقوى الاستعمارية، والأنظمة التابعة لها.

 

فكم من قرار دولي صدر باسم العدالة، فإذا به أداة لضرب شعوب الممانعة والمقاومة، والحكومات الرافضة للتطبيع والخضوع للطغيان؟

 

وكم من بعثة أممية دخلت أراضي الدول المستقلة، فكانت غطاء لجمع المعلومات وتخريب المنظومات؟

 

وكم من اتفاق نووي أو مراقبة للطاقة تحول إلى خنجر يسلط على سيادة الدول؟

 

وفي المقابل، تترك الدول الخارجة عن القانون الدولي، وعلى رأسها الكيان الصهيوني، تعبث بالأرض وتبني المستوطنات، وتقتل النساء والأطفال وكبار السن، وتعتدي على الدول الحليفة، والشخصيات المعارضة، فضلا عن استهداف الدول الممانعة والمستقلة.

 

إنها حالة صارخة من الازدواجية والخداع، وصفها الله تعالى بوضوح بقوله:

﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾

[البقرة: 9]

 

فالخداع جزء أصيل من منهجهم، و”التقلّب” الميداني إحدى أبرز أدواته.

 

ومن ينظر إلى التجربة الإيرانية يجدها نموذجا حيا لفهم هذه اللعبة.

 

إيران، رغم كونها إحدى الحالات، إلا أنها تجسد الدرس الأوضح، حيث:

 

حاولت أجهزة الاستخبارات العالمية اختراق منظومتها الإلكترونية عبر شركات الاتصالات والتكنولوجيا.

 

استغلت اتفاقيات الطاقة والرقابة الدولية لكشف القدرات الاستراتيجية، خاصة النووية منها.

 

تم اغتيال العلماء الكبار ضمن عمليات مركبة من الاختراق المعلوماتي، والتقني، والدبلوماسي، انتهت إلى العدوان العسكري الذي خاب وفشل بفضل الله تعالى، وبرعاية صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وجهود القيادات الدينية، والمهنية، والميدانية، ويقظة الشعب الواعي لحجم المؤامرات التي يحيكها العدو المستكبر.

 

وهكذا، تهاوت شعارات الغرب الزائفة.

 

فالدبلوماسية الظاهرة تخفي تحالفات خفية مع شبكات التجسس، تماما كما يخبرنا القرآن الكريم عن ازدواجية الخطاب، حيث قال تعالى:

﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾

[البقرة: 14]

 

أيها الأحبة

علينا أن نكون في غاية الحذر من الاختراقات التي تتم تحت العناوين البراقة، وهو ما ينبغي أن يشكل توجها عاما لدى كل الدول والشعوب.

 

بعثات دولية تدخل الدول تحت غطاء التنمية، لتجمع معلومات أمنية حساسة.

 

ومؤتمرات أكاديمية ظاهرها التبادل المعرفي، وباطنها كشف النخب والعناصر الفاعلة التي تمتلك مفاتيح النهوض، والاستقلال، والتحرر من الوصاية.

 

وفي أحيان كثيرة، تتحول الاستثمارات الاقتصادية إلى أبواب خلفية للتجسس الإلكتروني، وتستغل الاتفاقيات البيئية والصحية لممارسة الضغوط السياسية على الشعوب الحرة.

 

أيها الإخوة الأكارم، لقد حذرنا الله تعالى من الركون لهم فقال:

﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾

[هود: 113]

 

وليس المقصود بالنار هنا عذاب الآخرة فقط، بل تشمل نار الفتن، والحروب، والاختراقات، والجاسوسية، التي تدمر المجتمعات من الداخل.

 

إن الركون إلى وعودهم دون وعي وحذر، هو بداية الوقوع في فخ السيطرة الناعمة.

 

أيها الأحبة، إن الدروس القرآنية التي نطرحها ليست مجرد تنظير فكري، بل هي للتحصين الواعي ضد هذه المؤامرات، ولتأييد ما تقوم به الجمهورية الإسلامية الإيرانية من رفض الاستمرار في الوثوق بمنظمة الطاقة الذرية، مع بقائها منفتحة على باقي المنظمات، حتى لا تمنح القوى المعادية ذريعة لتجييش المجتمع الدولي ضدها بذريعة مخالفة الدبلوماسية الأممية.

 

وفي ضوء هذا الواقع، ومع هدي الآيات الكريمة، علينا:

 

1. كشف الأقنعة الدبلوماسية، وفهم أن كثيرا من الوفود ليست سوى طلائع اختراق.

 

2. تحليل المشاريع الدولية بدقة أمنية، وعدم الانبهار بالمغريات الاقتصادية أو الثقافية.

 

3. التصدي للحرب الناعمة عبر الإعلام الواعي، والتثقيف الشعبي، والتحكم في الفضاء السيبراني.

 

4. دعم المؤسسات الوطنية المستقلة، وتطوير القدرات الذاتية في جميع المجالات.

 

5. الاتعاظ من تجارب الدول الحرة والأبية في مواجهة الاختراقات المقنعة.

 

وأختم بالقول: على الحكومات الإسلامية، وبضغط شعبي واع، أن تظل في يقظة دائمة حتى لا تقع في المصيدة التي تعد جزءا من المخططات الشيطانية المستهدفة للمنطقة.

 

أيها الأحبة، يجب أن ندرك بوضوح: أن أعداء الأمة لا يدخلون بأسلحتهم فقط، بل بتأشيرات دبلوماسية، وصفات خبراء، وألقاب إنسانية، ولهذا حذرنا القرآن الكريم بقوله:

﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا، وَأَكِيدُ كَيْدًا، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾

[الطارق: 15-17]

 

فالوعي سلاح، والصبر قوة، والمواجهة لا تقتصر على الحروب التقليدية، بل تشمل ميدان الفكر، والاقتصاد، والإعلام، والسياحة، والدبلوماسية.

 

لذلك، لا تنخدعوا بزخارف المؤتمرات والاتفاقيات، ولا بزيارات السفراء والمستشارين، فالتاريخ والقرآن الكريم يعلماننا أن خلف الأبواب المشرعة تختبئ مشاريع الهيمنة، ومن لا يتحصن بالوعي، يقع فريسة للاختراق الناعم.

 

نسأل الله تعالى أن يجنب بلادنا وبلاد المسلمين مكر الأعداء، وأن يجعل للإسلام والمسلمين اليد العليا، إنه على كل شيء قدير.

 

الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري

يوم الأحد ٢٠٢٥/٦/٢٩

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى