مقالات
أخر الأخبار

الذلة سنة للمعاندين والنصرة وعد للمؤمنين: تأملات في تاريخ بني إسرائيل

الحلقة التاسعة: ماذا بعد وقف إطلاق النار؟

غدر ومكر وفتن… فالحذر والتعبئة والعمل دِرع المنجزات

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]

أيها الأحبة،

أيها المؤمنون بضرورة التصدي للظلم، والتحرر من قيود الاستعمار، يا من تتطلعون إلى مستقبل يعم فيه الإسلام ربوع الأرض بقيادة معصومة،

لقد شهدنا جميعا خلال الأيام الماضية واحدة من أكثر المواجهات حساسية وخطورة بين الجمهورية الإسلامية في إيران، ممثلة لمحور المقاومة، وبين الكيان الصهيوني الغاصب، ذلك الكيان الذي ما فتئ ينتهك الحرمات، ويعبث بأمن المنطقة، ويستبيح دماء الأبرياء.

ولم تكن الضربة الإيرانية الأخيرة مجرد رد فعل عابر، بل كانت إعلانا واضحا عن معادلة جديدة أرستها إيران الإسلامية، بأن زمن استباحة الكرامة قد ولى، وبأن أي اعتداء على السيادة أو المقدسات سيواجه بقوة غير مسبوقة، مستندة في ذلك إلى قوله تعالى:

﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194]

لكن، أيها الأحبة…

رغم صمود الجمهورية الإسلامية، وثبات محور المقاومة، ها نحن اليوم أمام هدنة أو وقف لإطلاق النار، وهو أمر قد يظن البعض أنه نهاية التوتر، غير أن القرآن وتجارب التاريخ، ومنها الهدنة التي أمضاها إمامنا الحسن بن علي عليه السلام، تعلمنا أن الأعداء لا يهدأون، بل يغيرون أدواتهم وأساليبهم، فيتحولون من المواجهة الصريحة إلى الكيد والمكر والفتن، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: 64]

إن الآية تؤكد أنهم لن يكفوا، بدلالة ذيل الآية الدال على استمرارية إشعال الحروب والإفساد في الأرض؛ لأن الآية استخدمت الفعل المضارع الذي يفيد الحاضر والمستقبل: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾

إن وقف إطلاق النار الذي تم بتدخل دولي، وضغوط سياسية، وخوف إقليمي، ووساطات متعددة الأطراف، ورعب عاشه العدو الصهيوني خلال فترة الحرب مع قصر مدتها ، لا يمكن قراءته بمعزل عن طبيعة العدو الصهيوني، هذا الكيان الذي بني على الغدر والخيانة والمكر، ولم تعرف له معاهدة صادقة، كما قال الله عز وجل في وصفهم:
﴿أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ [البقرة: 100]

إن الصهاينة اليوم، وبعد أن تجرعوا مرارة الضربات الإيرانية الدقيقة، يعيشون حالةً من الرعب والقلق، وهذا ما لمسناه في تصرفات قادتهم المتخبطة، وفي استنفارهم الأمني والعسكري، وفي أصواتهم المرتجفة داخل أروقة الكنيست، حيث باتت أصوات المعارضين ترتفع، محملة نتنياهو وحكومته الفاشلة مسؤولية ما يجري.

لكن ما هو أخطر من هذا كله، هو ما يخطط له العدو في الخفاء:

من إثارة للفتن الداخلية بين شعوب المنطقة، فهو يسعى لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، فيورط المسلمون فيما بينهم بحروب بالوكالة عنه، وهو ما يفترض التيقظ منه، والعمل الدبلوماسي لتفادي وقوعه.

نشر الدعاية السوداء ضد محور المقاومة، خاصة ضد الجمهورية الإسلامية، وهذه النقطة لوحدها تحتاج إلى الكثير من التفاصيل، أتركها لأهلها.

محاولة اختراق المجتمعات من الداخل عبر أدوات ناعمة وخبيثة، وتكون تارة باسم الدين، وأخرى ضد الدين، وبعناوين براقة خداعة، وعلى تعبير أمير المؤمنين عليه السلام: “إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت نبّهت”.

التوسل بالضغوط الاقتصادية والعقوبات لاستنزاف إيران وحلفائها.

استمرار العدو في استهداف حلفاء الجمهورية الإسلامية عسكريا، خصوصا في يمن الأصالة والعروبة، ولبنان الإباء، وغزة الصمود، بل حتى في عراق الحسين عليه السلام، بذرائع وحججٍ يصطنعها لتمرير اعتداءاته، وتغطية فشله الذي مني به في مواجهة الجمهورية الإسلامية، واسترجاع هيبته في نفوس ضعفاء المبدأ والعقيدة.

ولذلك، فإن المرحلة الحالية، رغم وقف إطلاق النار، ليست مرحلة راحة أو استرخاء، بل هي زمن الحذرِ الشديد، والتعبئة الشاملة، والعمل المستمر للحفاظ على المنجزات وتطويرها، تنفيذا لأمر الله تعالى:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال: 60]

وما أعظمها من قوة، حين تكون إرادة الشعوب موحدة، ويقظتها حاضرة، وتعبئتها فكرية وروحية وإعلامية وعلمية، فالنصر الحقيقي لا يكتمل إلا بتحصين الداخل، ورفع مستوى الوعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات.

وبما أننا سنتشرف بشهر العطاء الحسيني، تكون الفرصة سانحة لتنطلق حملات الوعي والتعبئة العقائدية، بل مناقشة المخاطر وبيانها، ووضع الحلول الناجعة لها، وتفادي الخطر من خلال مراكز استشراف للوقاية من الخطر المستقبلي، فالوقاية خير من العلاج، ولنأخذ عبرة من الماضي والحاضر القريب.

كلامي ليس للقيادات الكبرى في إيران فضلا عن غيرهم ، لأنهم أسمى من أن أوجه لهم هذه الرسائل المتواضعة، وإن كانوا هم في درجات عالية من التواضع، بحيث إن قائد الثورة الإسلامية في إيران، دام منصورا بنصر الله تعالى، يصرح بوجود نخبة من الخبراء والنخب في كل المجالات والاختصاصات، على أنهم مستشارون يقدمون التقارير الدورية كاستشارات له، دام ظله، وهو ما يدعونا نحن صغار الطلبة أن نتواضع أكثر، لنتقبل ممن هو مختص وموثوق، لنرتقي إلى ما وصل له الكبار.

نعم، كي لا أترك الكلمة بلا بيان، فإن كلامي لإخوتي، وإن كنت أقلهم علما وعملا، أن يلتفتوا لما أشرت له، وهذه نصيحة لكل دول محور المقاومة بالذات، وعموم البلدان العربية والإسلامية.

أيها الشرفاء،
إن ما أظهرته إيران من اقتدار وصبر استراتيجي، هو جزء من معركة طويلة الأمد مع مشروع الهيمنة الصهيوني والأمريكي، وهذه المعركة تمر بمراحل:

مواجهة عسكرية حين يلزم الأمر.

حرب ناعمة حين يطلب الوعي والبصيرة.

بناء اقتصادي وتقني لتعزيز الصمود.

تماسك اجتماعي لقطع الطريق على الفتن الداخلية.

كما يفترض بجميع المسؤولين عدم التغاضي عن عملاء الداخل ومكافحتهم، ولا يبرروا إعطاء الفرص بمصالح سياسية.

فقد ورد في القرآن الكريم آيات تحث على عدم التهاون مع أعداء الإسلام الداخليين، وتأمر باليقظة والجهاد ضدهم، ومن بين هذه الآيات قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم: 9]

هذه الآية لا تأمر بجهاد الكفار فقط، وهم العدو الخارجي، بل بمحاربة المنافقين والغلظة عليهم، وهم العدو الداخلي، وذلك للفت نظر المسلمين إلى خطورتهم، وأن خطورتهم لا تقل عن خطورة العدو الخارجي، إن لم تكن أكثر خطورة وأشد فتكا، لذا جعل لهم جزاء مروعا؛ كحالة لردع النفوس الضعيفة التي تتطلب القوة والحزم، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

ومن جميل ما صدر عن إمام المتقين سلام الله عليه، أن من يخالفك صنفان: صنف يؤثر فيه الإحسان، وصنف لا يزيده الإحسان إلا عتوا وجراءة، قال أمير المؤمنين عليه السلام:
“إن الكرامة تفسد من اللئيم بقدر ما تصلح من الكريم.”

ولا ننسى أن التاريخ القريب يعيد نفسه، فكما حاول الأعداء إسقاط الجمهورية الإسلامية منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة المباركة، وفشلوا بفضل وعي الشعب الإيراني والتفافه حول قيادته الربانية، فإنهم اليوم، بعد كل نصر يتحقق، سيحاولون إثارة الزوابع، قال تعالى:
﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217]

لذلك، لا تغتروا بالصمت المؤقت، وإن كنت لا أرى غير العربدة والاستمرار بالتهديد والوعيد من قبل الكيان المعتوه، لكن على كل حال، فإن المجتمع لا يسمع إلا إذا وقعت الأسنة، كما يعبرون.

وهنا أوصي نفسي وغيري: لا تنخدعوا بكلام المفاوضات، فالحرب الحقيقية مستمرة، وأدواتها متنوعة، ونحن أمام مسؤولية عظيمة لحماية مكتسباتنا، وتحصين شبابنا، وتوعية شعوبنا، والاستعداد لكل طارئ، فالعبرة ليست فقط في الرد على الاعتداء، بل في منع العدو من استغلال الثغرات.

نسأل الله العلي القدير أن يحفظ جميع المسلمين، وبالأخص شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، من مكر الأعداء، وأن يسدد خطاهم، وأن يجعلنا جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
فجر الأربعاء المصادف ٢٠٢٥/٦/٢٥

كما أتوجه بدعائي لجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أن يكونوا يدا واحدة على أعداء الله وأعداء الإنسانية والحضارة أنه سميع قريب مجيب .

الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
يوم الأثنين ٢٠٢٥/٦/٢٣

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى