الذلة سنة للمعاندين والنصرة وعد للمؤمنين: تأملات في تاريخ بني إسرائيل

الحلقة السابعة
مواجهة إيران لعدوها منفردة… وعي استراتيجي وثمار متعددة
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]
في خضم التصعيد المتزايد بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية العزيزة والكيان الصهيوني، مدعوماً من قوى الاستكبار العالمي والمهووس ترامب، يكثر اللغط من بعض الأصوات ـ المعروفة شعبياً بـ”البوقجية” ـ التي تشكك في مواقف محور المقاومة، وتتهم إيران بأنها ربت بعضهم ولم تحسن تربيتهم وقد خانوا العهود، أو أنها طلبت ذلك من حلفائها الآن لتخوض المواجهة منفردة لتظهر نفسها على حساب الآخرين، أو أنها تقصي حلفاءها عن الساحة لغايات ذكرها أولئك المطبلون الذي يريدون حرق المنطقة برمتها، من خلال تلك الاتهامات والإيهامات للجمهور العام، أو توريط المستعجلين من الجمهور الذي تغلبه الحماسة كما هو معلوم، وهو ما أشرت له في بعض الحلقات من أننا لا يفترض بنا أن نتقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كي لا نفسد عليها ما تبتغي تحقيقه من نتائج مهمة، خصوصاً بعد انكشاف الكثير من الأمور التي كانت ملامحها غير واضحة، أو طريقة التعامل معها كانت مشوشة.
إن بعض الأصدقاء المقربين للجمهورية العزيزة، فضلاً عمن يريد لها الضرر التكتيكي أو الاستراتيجي، غافلون أو متغافلون عن عمق الحسابات الاستراتيجية الدقيقة التي تدير بها إيران الإسلامية هذه المعركة.
أولاً: إيران وإدارة المعركة بحنكة
التصريحات الإيرانية كانت واضحة منذ البداية، فهي لا تريد من أحد التدخل العسكري حالياً، وإنها طالبت بجهود إعلامية لإظهار الواقع وإسناد المعركة، وكذلك جهود دبلوماسية لتقويض العدو والحد من نفوذه وغطرسته، وهذا ليس ترفاً سياسياً، بل جزء من رؤية شاملة تحقق أهدافاً متعددة، أبرزها:
إظهار قوة إيران واقتدارها العسكري للعالم، بعيداً عن الدعم المباشر من الحلفاء، لتثبت أنها ليست فقط جزءاً من محور المقاومة، بل رأس الحربة فيه، وأنها الدولة الراعية للشعوب التي تتبنى الممانعة وتسعى للعزة والحرية والكرامة، وهذا يعزز هيبتها على المستوى الإقليمي والدولي.
وما تفعله إيران اليوم هو التطبيق الحي لهذا التوجيه القرآني:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]
عبر تطوير قدراتها واستخدامها بذكاء.
وبنفس الوقت، منع الأعداء من تأليب الشعوب ضدها، إذ طالما روج الإعلام المعادي في السابق بأن إيران تورط دول المنطقة أو الحركات المقاومة في معارك لحساباتها الخاصة، وقد تأثر بتلك الدعايات حتى بعض محبي الجمهورية الإسلامية، بل دعني أقول حتى بعض المنتمين لها سياسيا وعقائديا، واليوم بتقدمها وحدها تسقط هذه الحجج أمام الرأي العام.
ثانياً: الثمار التي تجنيها إيران وحلفاؤها
قرار إيران بخوض المواجهة دون زج الحلفاء حالياً، يحمل ثماراً استراتيجية جمة، منها:
تعزيز مكانة إيران كقوة إقليمية مستقلة، قادرة على الردع، ما يرهب الخصوم ويطمئن الحلفاء.
إرباك حسابات الكيان الصهيوني والدول الداعمة له، إذ بات واضحاً أن ضربات إيران ليست مرتبطة بالظرف السياسي الداخلي لأي فصيل آخر، بل هي رد مباشر ومستقل، وهو ما يجعل توقع الردع أكثر صعوبة، ولعله أيضاً إعطاء فسحة زمنية للحلفاء لترتيب أوراقهم بعيداً عن الاستنزاف المباشر، وهو ما يضعف محور الشر الصهيوني الأمريكي، ويزيد من صلابة محور المقاومة تدريجياً، وهذا ما يفترض العمل عليه بشكل جاد، وبتنسيق عال، وسرية فائقة، وعلى جميع المستويات، خصوصاً التثقيف العقائدي والذي يجعل الأيدلوجيا تنتصر على التكنولوجيا.
كما أن فيه فضحاً لهشاشة الدفاعات الصهيونية وتهويلها الإعلامي، وهو ما انعكس في تزايد رعب الداخل الإسرائيلي، تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [آل عمران: 151]
ثالثاً: الخسائر التي تلحق بالصهاينة والأمريكان والدول المطبعة
فإن قرار إيران بتحركها الذكي هذا يجر خلفه سلسلة من الأضرار الموجعة لأعدائها وأعداء البشرية ، منها:
انكشاف العجز الدفاعي للكيان الصهيوني، بل حتى الأمريكي الذي وفره للكيان الغاصب، رغم كل ما ينفق من مليارات الدولارات، ما يهدم الصورة التي قدمها الإعلام بأنهم “الجيش الذي لا يقهر”، والذي سعى شهيد الأمة السيد حسن نصر الله، طابت روحه السامية، لهدمها.
الأمر الآخر الذي تحقق فعلاً هو ضعف الثقة الداخلية في القيادة الصهيونية والأمريكية، وازدياد النقمة الشعبية، كما يشير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ۖ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: 2]
كما أن هذا التعامل يحرِج الدول المطبعة، ويكشف خسارتها سياسياً وإعلامياً، إذ يكشف تهافت رهاناتها على الحماية الصهيونية، وتنكشف أكثر أمام شعوبها التي ترفض التطبيع، وترى الخيانة بأم أعينها، ولعل ما أقوله تحقق بالفعل على أرض الواقع.
وبنفس الوقت، يعطي هذا التصرف نتائج مهمة أخرى، كإضعاف المعسكر الغربي اقتصادياً عبر ارتفاع التكاليف الأمنية والعسكرية، بل وإجبار التحالفات والتشكيلات التي يراد إنتاجها على إعادة حساباتها تجاه الشرق الأوسط.
أيها الأحبة
لا بد أن نعين الأخوة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ببث هذه الرؤية، من أن الصمت الذي يمارسه بعض الحلفاء الآن، بإشارة من إيران، ليس تراجعاً ولا خوفاً ولا سوء تقدير، بل جزء من معركة أكبر تدار بحكمة ووعي واقتدار، لضرب العدو في نقاط ضعفه، مع المحافظة على أوراق القوة المستقبلية.
وعليه، أقول لهؤلاء المشككين: دعوا إيران تكمل خطتها، ودعوا الأحقاد جانباً، فإن كنتم لا تنفعون، فلا تكونوا مصدر ضرر، فإن إيران قد أثبتت أنها تتقن لعبة الشطرنج الجيوسياسي، ونتائج ذلك ستصب في صالح محور المقاومة بأكمله، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21]
وفي الختام، أقول كلمة للتأريخ:
كنت، ولا زلت، وسأبقى أخاً صغيراً لإيران السيد الخميني (قدس سره)، الذي قال في حقه شهيدنا الصدر الأول:
“ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام”.
نعم، سأبقى وفياً لنهج السيد الخميني (قدس سره)، أستاذ من تعلمنا على يديه رفض الخنوع والاستسلام، مهما قوي العدو، ذلك التلميذ الذي قدم أبناءه بعده ليكونوا في طليعة المناصرين للجمهورية الإسلامية، ذلك الصوت الذي طالما دوى عالياً:
كلا كلا للباطل، نعم نعم للإسلام، نعم نعم للمذهب،
ألا وهو سيدنا الشامخ على مر الزمان، السيد الشهيد المقدس محمد محمد صادق الصدر (قدس سره).
كما أتوجه بدعائي لجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أن يكونوا يدا واحدة على أعداء الله وأعداء الإنسانية والحضارة أنه سميع قريب مجيب.
الخطيب الحسيني السيد رسول الياسري
يوم الاثنين ٢٠٢٥/٦/٢٣
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز