
كتب د. هوشيار مظفر علي أمين: في الشهور القليلة التي تسبق انتخابات 2025، يبدو العراق وكأنه يسير على حافة اختبار حاسم، ملفات النفط والرواتب والحدود الداخلية لم تكن أزمات جديدة، لكن الجدل العام جعلتها أقرب إلى ألغام سياسية.
في قلب هذا المشهد، برز السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من بغداد، والسيد نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم من أربيل، ليس كخصمين، بل كطرفين يتفاوضان ويعرفان أن التفاوض المباشر قد يبني ويبني مزيداً من الاستقرار العراقي، فالسيد السوداني يجيد التفاوض لأجل العراق وإقليمه.
في أربيل، كان السيد نيجيرفان بارزاني يتحدث بلغة تفاوضية، في حواراته الكردية والعربية والدولية، وضع على الشاشات أرقاماً عن العجز المالي وصعوبات الإقليم وأزمة الرواتب والنفط ثم بين: “نحن جزء من العراق الاتحادي، الحل هو الدستور، لا أكثر ولا أقل”، لم يكن بارزاني فقط رئيساً للإقليم، بل كان يحاول أن يظهر كعادته كصوت عراقي وكردي في آن، يجمع بين شرعية داخلية وحضور إقليمي يجعله شريكاً في المركز بعراقيته.
بين الرجلين جرت لقاءات شديدة السرية، جلسا على طاولة مستديرة في بغداد بعيداً عن عدسات الإعلام، السوداني رفع ملفاً يتضمن مقترحاً واضحاً: تحويل كل العائدات النفطية إلى الخزينة الاتحادية، مع التزام حكومته بدفع الرواتب بشكل مباشر لموظفي الإقليم.
بارزاني رد بهدوء: “هذا ممكن إذا ضمنت بغداد تنفيذ التزاماتها بلا تأخير، نحن لا نطلب أكثر من حقوقنا التي ينص عليها الدستور”، لحظتها، بدا أن التباعد الكبير في المواقف يذوب أمام التفاوض بين قائدين سيؤدي إلى اتفاق سريع يمنع الأزمات في الجانبين، وبانت ملامح نجاحهما اليوم وغداً وبعد غد.
في تلك الجلسة، التي تلتها جلسات، اتفق الرجلان على أن الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد تنافس على مقاعد، بل استفتاء على قدرة العراق على التوحد وسط أزمات الجوار والشرق الأوسط.
السيد السوداني ما زال يقدّم نفسه للعراقيين باعتباره رئيس الوزراء الذي أعاد ضبط العلاقة مع أربيل بالتفاوض، والسيد بارزاني ما زال يبرهن أنه مفاوض عراقي كردي، وهو في الوقت نفسه ضَمِن رواتب الموظفين واستقرار العلاقة مع المركز.
الجميل أن هذه الواقعية لم تكن وليدة لحظة انتخابية قادمة فقط، بل نتاج إدراك مشترك بأن العراق محاصر بتدخلات خارجية لا تريد له استقراراً، السوداني كان يواجه ضغوطاً من قوى تطالبه بموقف أكثر تشدداً، وضغوطاً غربية تطالبه بتسوية تُبقي الإقليم هادئاً، والسيد بارزاني بدوره كان تحت ضغط داخلي من شارع يريد رواتبه، وخارجياً من عواصم ترى في استقرار العراق الاتحادي وأربيل شرطاً لأمن المنطقة.
بالتوازي، ظل كلاهما يرسل رسائل متبادلة: السوداني يبرز مركزية الدولة، وبارزاني باستراتيجيته التفاوضية يبرز أن الحل في الحوار الدستوري، ومع كل جولة تفاوض، بدا أن الخلاف ليس حول المبدأ بل حول المودة والمحبة بين المركز والإقليم، وكل طرف أراد أن يخرج من الطاولة وهو بعراقيته قبل أي تسمية أخرى.
في نهاية المطاف، ظهر الرجلان ليس كمتخاصمين، بل كمفاوضين يعرفان قواعد إدارة الأزمة، السيد السوداني حمل الدور العراقي الخالص، المدافع عن مركزية القرار الدستوري ومرجعية الدولة، والسيد بارزاني جمع بين الدور العراقي والدور الكردي، ليؤكد أن الإقليم شريك ومشارك، وأن الإقليم أيضاً جزء من مشروع وطني عراقي لا غنى عنه.
وهكذا التقيا على أرضية مشتركة: أن العراق لا يملك رفاهية الانقسام عشية انتخابات مفصلية.
هكذا، قبيل الانتخابات، تشكّلت صورة جديدة، بغداد وأربيل لم تنتهِ خلافاتهما، لكن قيادتيهما قدمتا أنفسهما باعتبارهما طرفين عراقيين متصالحين مع فكرة أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لحماية العراق، وأن مصلحتهما المشتركة عراقياً أكبر من حسابات أعداء المركز والإقليم، وهو ما نجحا فيه وفق قواعد إدارة الأزمة وقيادة الصراع معاً.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز