مقالات
أخر الأخبار

التعليم العالي.. بوابة التمكين الاقتصادي

كتب د. أسامة أبو شعير: في بلدٍ يطفو على بحيرةٍ من النفط، لا تزال نسبة البطالة تتجاوز 13.5 % والفقر 17.5 %، وفقاً لتقارير البنك الدولي، وبينما يشكّل النفط 90 % من إيرادات الدولة، تظل القطاعات الإنتاجية الأخرى شبه معطلة.

 

في هذه المعادلة المختلة، يقفُ التعليم العالي في العراق أمام مفترق طرق: إما أن يكون أداة لإعادة بناء الاقتصاد من الداخل، أو مجرد مصنع للشهادات الورقية.

يُجمعُ الخبراء على أن جودة التعليم هي رافعة للتمكين الاقتصادي، لكن الواقع العراقي يُظهر مفارقة صارخة، فبينما تتحول جامعات العالم إلى مختبرات للابتكار، تُتّهمُ بعض الجامعات العراقية – لا سيما الخاصة منها – بأنها تحولت إلى “دكاكين أكاديمية”، تمنح شهادات لا تضمن لأصحابها الحد الأدنى من الجاهزية لسوق العمل.

تقرير “مستقبل الوظائف 2025” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يلفت إلى أن 44 % من المهارات المطلوبة في سوق العمل العالمي ستتغير بحلول العام 2027، في ظل التقدم المتسارع للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، العراق، في المقابل، لا يزال يدرس مناهج تقليدية تعود لعقود مضت، ويُخرج آلاف الطلاب غير المؤهلين تقنياً أو مهارياً للمنافسة في سوق عمل محلية أو دولية.

المشكلة لا تقتصر على المناهج، ثمة غياب شبه كامل لآلية رقابية فعالة تضمن جودة التعليم وتقييم الأداء الجامعي، لا توجد تصنيفات وطنية شفافة للجامعات، ولا جهة مستقلة مسؤولة عن اعتماد البرامج أو محاسبة المؤسسات غير المؤهلة، والنتيجة؟ خريجون يحملون شهادات لا تؤهلهم لمتطلبات سوق تتغير كل يوم.

كما أن العلاقة المفقودة بين الجامعات والقطاع الخاص تُفاقم الأزمة، التدريب العملي محدود، والمراكز المهنية داخل الجامعات شبه غائبة، ما يعني أن الطالب، في أحسن حالاته، يتخرج حاملاً “معرفة نظرية” من دون مهارات تطبيقية حقيقية.

من واقع تجربتنا في متابعة مخرجات التعليم العالي، نلاحظ أن آلاف الخريجين لا يجدون في تعليمهم بوابة لبناء مستقبل مهني أو مشروع خاص، بل يُركزون على انتظار التوظيف الحكومي، في انعكاس واضح لثقافة تُقدم الأمان الوظيفي على روح المبادرة والإنتاج.

ما يحتاجه العراق اليوم ليس فقط تطوير المناهج، بل إنشاء هيئة وطنية مستقلة لضمان جودة التعليم العالي، على غرار وكالة ضمان جودة التعليم العالي في المملكة المتحدة أو المركز الوطني للتقويم والاعتماد الأكاديمي في المملكة العربية السعودية، هذه الهيئة يجب أن تكون مسؤولة عن تقييم البرامج والمناهج دورياً، وتصنيف الجامعات بحسب جودة التعليم والبحث والتوظيف، ومنع المؤسسات الرديئة من إصدار شهادات غير معترف بها، إضافة إلى فرض الشفافية والمساءلة.

إن جهازاً كهذا لا يهدف إلى العقوبة بقدر ما يسعى إلى الإصلاح، ويمنح الثقة للطلاب، والقطاع الخاص، والمجتمع.

كما أن القطاع الخاص في العراق يمكن أن يكون شريكاً فاعلاً في دعم التعليم، عبر تمويل البرامج التدريبية، واستقبال الطلاب في فترات تدريب داخلي، وتقديم منح في التخصصات الاستراتيجية التي تخدم خطط التوظيف.

وقد بدأت بعض المبادرات الفردية، مثل ما قدّمه مصرف آشور في تمكين المرأة، لكنها لا تزال محدودة التأثير ما لم تتحول إلى سياسة وطنية شاملة.

إن التعليم ليس رفاهاً فكرياً، بل أداة اقتصادية، وإذا أردنا لاقتصاد العراق أن يتنفس خارج رئة النفط، فإن أول أوكسجين يجب ضخه هو تعليم عالي الجودة، يربط الطالب بالحياة، والخريج بالإنتاج، فلا تنمية من دون مهارة، ولا مهارة من دون تعليم حقيقي، والمستقبل، ببساطة، لن ينتظر من يكتفي بالشهادة.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى