مقالات
أخر الأخبار

مخرجات التعداد السكاني.. من تشخيص المشكلات إلى بلورة الحلول

كتب عادل الجبوري: أعلنت وزارة التخطيط، مؤخراً النتائج النهائية للتعداد العام للسكان، الذي أجري في العشرين من تشرين الثاني- نوفمبر 2024، وبهذا الإعلان، تكون صورة التعداد الذي تعطل إجراؤه حوالي سبعة عشر عاماً، قد اكتملت، ويفترض أن تتأسس على مخرجات التعداد الخطط والبرامج والمشاريع العملية الواقعية في مختلف الجوانب والمجالات، ارتباطاً بحقيقة أنه في عالم اليوم، باتت لغة الأرقام هي من تتيح تشخيص مواطن الضعف والخلل والقصور والانحراف.

 

وهي من تحدد الحلول والمعالجات، وهي من توجه الأولويات والضرورات والحاجات، وتقرر مدياتها القصيرة والمتوسطة والبعيدة، فلم يعد ممكناً ولا مجدياً تنفيذ أي مشروع كان، دون معرفة حجم الاستفادة منه، ومن سيستفيد منه، وكيف وإلى أي مدى؟، سواء كان مدرسة، أو مستشفى، أو شارعاً، أو جامعة، أو مجمعاً سكنياً.

والأرقام لا توفرها الافتراضات والتخمينات والتقديرات والاجتهادات السطحية، وإنما توفرها الإحصائيات الدقيقة المستندة على معايير ومبادئ علمية صحيحة، بعيداً عن الأهواء والرغبات والحسابات والمصالح الخاصة.

والتعداد السكاني العام الأخير، حتى وإن لم يكن دقيقاً وشاملاً بالكامل، فإنه يعكس الواقع بكل تفاصيله وجزئياته بنسبة كبيرة جداً، وهذا ما يعني أن مسارات التخطيط، ووضع المشاريع الاستراتيجية والمرحلية، الخدمية والتنموية والاستثمارية، سوف ترتكز على معطيات واقعية على الأرض.

ولا شك أنه بات واضحاً إلى حد كبير ما يمكن أن نطلق عليه الخارطة الديموغرافية، وطبيعة التركيبة السكانية للمجتمع العراقي، ومستوى الاحتياجات الحياتية المطلوبة في هذه المحافظة أو تلك، أو لهذه الفئة الاجتماعية أو سواها، وبالتالي بات متاحاً أكثر من السابق بالنسبة للمؤسسات المعنية-حكومية كانت أم غير حكومية-بوضع خرائط الطريق الصحيحة، ورسم الخطط العلمية والعملية لمشاريع التنمية والتطوير في مختلف الجوانب والمجالات.

فعلى سبيل المثال، أوضحت الأرقام التي أعلنتها وزارة التخطيط، أن معدل الخصوبة الكلي-وهو يرتبط بشكل أو باخر بنسبة النمو السكاني-تبلغ 3.9 بالمئة في عموم العراق، و3.5 بالمئة في إقليم كردستان، وهذه النسبة تبدو مرتفعة، حيث إنها تعني أن ارتفاع عدد السكان لا يتناسب مع حجم الموارد والإمكانيات والثروات والفرص، فضلاً عن الظروف والأوضاع العامة، لذلك من المهم الاتجاه للعمل على تخفيض معدلات النمو السكاني.

وكما يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، “إن التزايد السكاني الذي يشهده العراق، يقابله تراكم تأريخي ناجم عن تعثر التنمية السكنية وبنيتها التحتية، إذ تعرضت البلاد لأكثر من أربعة عقود من الزمن لشبه توقف في سياسة الإسكان وبناء حواضر ومدن جديدة، وتدهور في البنى التحتية التي لم تواكب النمو السكاني المرتفع، الأمر الذي أدى بمرور الوقت إلى انشطار المدينة الواحدة وتشظيها بأبنية سكنية مضافة، لاستيعاب الزيادة السكانية”.

والنقطة الأخرى المهمة، هي أن الأرقام تشير إلى أن نسبة الأمية في المجتمع العراقي تبلغ 15.31 بالمئة في عموم العراق، و16.23 بالمئة في إقليم كردستان، ولا شك أن هذه النسبة عالية نوعاً ما، لاسيما أن عالم اليوم في ظل التطورات الهائلة في مختلف جوانب العلوم والمعرفة، كاد يغادر ظاهرة “أمية القراءة والكتابة”، بحيث أصبح الجهل بالتعامل مع ثورة المعلومات والاتصالات، والقصور المعرفي والثقافي يصنف بـ”الأمية».

ومما لا يختلف عليه اثنان، هو أن العراق عاش طيلة ما يقارب الخمسة عقود من الزمن، ظروفاً استثنائية قاهرة، في ظل الحروب العبثية المتلاحقة، والحصار الاقتصادي والعقوبات، والسياسات الاستبدادية، والعنف والإرهاب، التي خلفت بمجملها الكثير من الأزمات والمشكلات المجتمعية الشائكة والمعقدة، من بينها الأمية.

ومعالجة هذه المشكلة- الأزمة- تتطلب خططاً وبرامج ومشاريع مدروسة، تأخذ بنظر الاعتبار كل متطلبات الواقع، بشتى أبعادها وجوانبها المادية والمعنوية، من بنى تحتية ومناهج ومحفزات ومخرجات.

وتشير أرقام التعداد العام للسكان بشكل أو بآخر إلى وجود أزمة سكن حقيقية، والحاجة إلى توفير قدر من الخدمات الأساسية، كالكهرباء، وشبكات الصرف الصحي، لفئات وشرائح اجتماعية لم تحظَ بها حتى الآن.

إلى جانب ذلك، فإن الأرقام تؤكد بأن النسبة الأكبر من عدد سكان العراق البالغ اكثر من ست وأربعين مليون نسمة، هي النشطة والقادرة على العمل، والتي تتراوح أعمارهم ما بين 15 عاماً و65 عاماً، وتتعدى هذه النسبة 40 بالمئة، وهذا شيء إيجابي جداً، ولكن يتطلب من الدولة أن توفر الظروف المناسبة لاستثمار طاقات تلك الأعداد الكبيرة من المواطنين المنتجين أو القادرين على الإنتاج، عبر تفعيل القطاع الخاص لاستيعاب مختلف الفئات والاختصاصات، طالما أن القطاع الحكومي لا يستطيع توظيف واستيعاب الجميع.

ولعله من الواضح أن الأعوام القلائل المنصرمة شهدت مؤشرات إيجابية عديدة في تحريك عجلة البناء والإعمار والتنمية في قطاعات مختلفة، بيد أن ذلك ما زال غير كافياً ارتباطاً بالقدر الكبير من التراكمات السلبية، وهو ما يتطلب من أي حكومة تتصدى لزمام الأمور، بذل المزيد من الجهود لتفكيك منظومات الفساد الإداري والمالي في مفاصل الدولة المختلفة، وتطويق وتحجيم مساحات المصالح والاجندات والطموحات والمطامع الخاصة الضيقة على حساب المصالح الوطنية العامة.

وإذا كانت مخرجات التعداد العام للسكان، قد شخصت وأشرت طبيعة المشكلات واحجامها ومدياتها- مع أهمية الإشارة إلى وجود أرقام إيجابية- فإن صياغة وبلورة الحلول والمعالجات وإسقاطها عملياً على أرض الواقع، يعد الخطوة الأكثر أهمية والمكملة للتعداد، لكي تتغير وتتعدل الأرقام نحو الأفضل، وليلمس ذلك التغيير والتعديل، المواطن العادي الباحث عن ظروف حياتية أكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً، وأقل حرماناً وقلقاً واضطراباً.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى