مقالات
أخر الأخبار

لا حياد في زمن المجازر الصهيونيَّة

كتب د. حيدر البرزنجي: في لحظات الانهيار الأخلاقي التي يعيشها العالم، يصبح الصمت جريمة، والحياد موقفاً مخزياً، والتخاذل نوعاً من الاشتراك غير المباشر في سفك الدماء.

 

لم تعد القضايا الكبرى تُقاس اليوم بعدد كلمات البيانات الدبلوماسية، بل بمقدار الموقف العملي في وجه الظلم، وبالقدرة على الاصطفاف الأخلاقي، حين تتكالب قوى الطغيان والاستكبار على شعب أعزل يُباد تحت أنقاض منازله.

إن ما يحدث في فلسطين، لا سيما في غزة وسائر الأراضي المحتلة، لم يعد مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو تجسيد كامل لصراع وجودي بين مشروع استعماري إحلالي لا يعترف بشيء اسمه القانون أو الكرامة أو العدالة، وبين مشروع مقاوم يحمل راية التحرر، لا باسم قومية أو طائفة أو حدود، بل باسم الإنسان وحقه الأصيل في أن يكون حراً على أرضه، سيداً في وطنه.

الكيان الصهيوني لم يكن يوماً مشروع سلام، بل كان منذ تأسيسه على أرض فلسطين، مشروعاً استيطانياً قائماً على القتل والاقتلاع والتمييز العرقي، ولعقود، كانت آلة الحرب والإبادة تُشرعن من قبل عواصم كبرى تتغنى بحقوق الإنسان، فيما تسلّح المحتل وتغضّ الطرف عن جرائمه، في هذا السياق، لا يمكن لأي عاقل أن يظل في دائرة “الحياد الآمن”، ذلك الحياد الذي لم يمنع مجازر صبرا وشاتيلا، ولا حصار غزة، ولا قصف المدارس والمستشفيات والمخيمات.

لكن في ظل هذا الصمت المروّع والتخاذل المتزايد، برز موقف ثابت لا يتلون مع تبدل المصالح أو الضغوط.

إن الجمهورية الإسلامية في إيران، رغم كل ما وُجه لها من عداء، اتخذت خياراً لا لبس فيه: الاصطفاف الكامل مع الشعوب المستضعفة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، في مواجهة المشروع الصهيوني، لم تكتف بالشعارات، بل قدمت الدعم السياسي والعسكري والتقني للمقاومة، ودافعت في المحافل الدولية عن حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة.

وليس خافياً على أحد أن هذا الموقف هو أحد الأسباب المركزية في الحملة الغربية الشرسة على إيران، التي لم تغفر لها قوى الهيمنة أنها كسرت جدار الخوف، وقالت لا حين اختار الآخرون الصمت، ووقفت إلى جانب قوى المقاومة، حين اختار الكثيرون التطبيع والانبطاح.

إن موقف إيران من الكيان الصهيوني ليس موقفاً طائفياً أو دعائياً كما يحاول البعض تصويره، بل هو نتاج فهم عميق لطبيعة الصراع في المنطقة: صراع بين مشروع ينهب الثروات، ويزرع القواعد العسكرية، ويقسم الشعوب، ومشروع يسعى لاستعادة القرار والسيادة والكرامة.

لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية أن تبرهن، رغم الحصار والعزلة والتشويه، أن هناك بديلاً في هذه المنطقة، بديلاً يقول إن الكرامة لا تُشترى، وإن المقاومة ليست خياراً عسكرياً فقط، بل خيار حضاري وثقافي وأخلاقي.

وهنا، يُطرح السؤال على كل فرد، كل مجتمع، كل أمة: في وجه هذا الصراع المكشوف، هل يمكننا أن ندّعي الحياد؟ هل يُعقل أن نضع الضحية والجلاد على قدم المساواة؟ هل يمكن للدمار والقتل والحصار أن يصبحوا “وجهة نظر”؟ إن من يقف اليوم متفرجاً على المأساة الفلسطينية، إنما يؤسس لصمت مشابه حين يُطرق بابه يوماً ما.

إن هذه المعركة لا تختبر فقط الإرادات السياسية، بل تختبر ضمائرنا، إنسانيتنا، وما تبقى من قيمنا المشتركة، وإن التاريخ، كما علمنا مراراً، لا يرحم من خذلوا الحق حين ناداهم، ولا من انحازوا إلى “الراحة الأخلاقية” في زمن يتطلب شجاعة الموقف.

اليوم، ونحن أمام مشهد واضح لا يحتاج إلى تأويل، تبرز الحقيقة من بين الركام: الكيان الصهيوني مشروع عدواني لا يتوقف، ومن يقف إلى جانبه هو جزء من الجريمة، ومن يواجهه اليوم بصوت واضح وفعل حقيقي هو الجمهورية الإسلامية ومن معها من قوى المقاومة الحقيقية، هؤلاء، بكل ما يواجهونه من تحديات، اختاروا أن يكونوا في صف الحق، وذاك وحده كافٍ لأن يُكتب اسمهم في صفحة الكرامة.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى