
بقلم السيد رسول الياسري
الخطة الشخصية
القرآن، والعبادة، وتنظيم الوقت في مواسم الرحمة
في هذه الحلقة ننتقل من الحديث عن البرامج العامة والمؤسسية إلى البرنامج الشخصي، لأن أي نهضة مجتمعية لا يمكن أن تستقيم ما لم تبدأ من إصلاح الفرد وبنائه روحياً وسلوكياً وتنظيمياً، ولا سيما في مواسم الفضل الإلهي كشهري رجب وشعبان، تمهيداً للدخول الواعي إلى شهر رمضان المبارك، قال الله تعالى:﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 9–10).
وفي هذا السياق نطرح برنامجاً قابلاً للتطبيق من قبل الجميع، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: من أهم معالم البرنامج الشخصي في هذين الشهرين، أن يجعل الإنسان القرآن الكريم محوراً أساسياً في يومه، وذلك من خلال:
قراءة القرآن كاملاً خلال شهري رجب وشعبان.
وختمة كاملة على الأقل في شهر رمضان المبارك.
قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ﴾ (البقرة: 185)
ولمن يجد صعوبة في القراءة الصحيحة، أو لا يتقن القراءة والكتابة، فإن الاستماع إلى التلاوة المرتلة يحقق الغاية، إذ إن: مدة تلاوة الجزء الواحد تقارب نصف ساعة، ومن يقرأ نصف جزء لا يحتاج أكثر من ربع ساعة يومياً، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204).
وهنا أشير إلى تلاوة مسرعة “للقارئ معتز آقائي”
ثانياً: لا يقتصر البرنامج القرآني على القراءة أو الاستماع فحسب، بل لا بد من حالة تدبر يومية، ولو في: آية واحدة، تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ (محمد: 24).
فآية واحدة بتدبر قد تغير مسار الإنسان، وتفتح له أبواب الهداية.
ثالثاً: محافل القرآن الكريم
وما أجمل أن تتعزز هذه الحالة الفردية بوجود محافل قرآنية جماعية في بعض ليالي رجب وشعبان ورمضان، يحضرها: قراء يحسنون الأداء والتلاوة، امتثالاً لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «حسنوا القرآن بأصواتكم».
فالمحفل القرآني: يحيي القلوب، ويشجع المتثاقلين، ويزرع حب القرآن في النفوس.
رابعاً: ومن الفرص العظيمة في هذه الأشهر سعة رحمة الله تعالى، وكونها من الأزمنة التي تغل فيها أيدي الشياطين، مما يعين الإنسان على المجاهدة، قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ (الإسراء: 79).
ولمن يجد صعوبة في صلاة الليل كاملة، فليبدأ باليسير: ركعتي الشفع وركعة الوتر فقط، ليضع قدمه على الطريق، ويعود نفسه على مناجاة الله في جوف الليل.
خامساً: ومن ركائز البرنامج الشخصي:
المحافظة على الصلاة في وقتها، فهي عمود الدين، قال تعالى:﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ (النساء: 103).
وإحياء بعض الليالي المباركة، مثل: ليلة النصف من رجب، وليلة الرغائب، وليلة النصف من شعبان، وليالي القدر في شهر رمضان.
سادساً: ومن المهم أن لا يبقى البرنامج فردياً فقط، بل أن تتحول البيوت إلى بيوت عامرة بالذكر، من خلال: الاجتماع على بعض الأدعية، في بعض الليالي، وبث الروح الإيمانية داخل الأسرة.
ومنها: دعاء كميل، دعاء مكارم الأخلاق، دعاء أبي حمزة الثمالي.
لتكون بيوتنا مع تلك البيوت التي قال عنها الله سبحانه وتعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ (النور: 36).
سابعاً: وهنا تبرز نقطة مهمة حث عليها القرآن الكريم والعترة الطيبين الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد أشار إليها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في بعض خطاباته، منها خطاب رجب وشعبان إعداد وتأهيل لشهر رمضان وهي:
أن الإنسان الساعي إلى التكامل بحاجة إلى فهرس أعمال وجدول شهري يسير عليه، وهو ما نعبر عنه اليوم بمصطلح: الخطة الشخصية.
فالعبادة بلا تنظيم تصاب بالفتور، والوقت بلا خطة يهدر دون أن نشعر.
إن الإنسان إذا التزم بهذه الممارسات: فردياً، أو أسرياً، أو ضمن أجواء المجتمع، فسوف يلاحظ: أن وقته قد انتظم، وأن الهدر قد قل، وأن حياته تحولت إلى وقت مستثمر في طاعة الله.
وهنا نستحضر قول الإمام الحسن بن علي عليهما السلام: «الغفلة تركك المسجد، وانشغالك بالمفسد».
وسيكشف كثير من الناس أن سبب وقوعهم في الأخطاء والذنوب: هو الابتعاد عن الله تعالى، والانشغال بتوافه الأمور، بل بالمعاصي التي تحول الحياة إلى مكب نفايات، بدل أن تكون مزرعة عامرة بذكر الله وطاعته.
أيها الأخوة والأخوات الكرام،
إن شهري رجب وشعبان فرصة ذهبية لبناء الإنسان القرآني، العابد، المنظم، استعداداً للدخول في ضيافة الله الكبرى في شهر رمضان المبارك.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاستثمار هذه المواسم، وأن يجعلنا من أهل القرآن والعمل، لا من أهل الغفلة والتسويف.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز



