مقالات
أخر الأخبار

رقي الأمم بالعلم المقرون بالأخلاق

صاحب المقال: الشيخ جواد الزركوشي

الفرع: جامعة باقر العلوم الدينية في ديالى

 

العلم ليسَ حروفاً تُكتَب على الورق، ولا أرقاماً تُحسَب في المختبرات، العلمُ هو نورٌ من الله، يُشرق في القلب فينير البصيرة، ويهدي صاحبه إلى سواء السبيل.

قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11)

فالعلوم إذا صَحِبَها الإيمان، صارت سلّماً إلى العُلى، أما إذا تجردت من الأخلاق، كانت ناراً تحرق صاحبها ومن حوله.

كم من أمةٍ بلغت ذروة التقدّم، لكنها حين انفصلت عن قيم السماء، انهارت من داخلها، لأنها فقدت الضمير، وفقدت الإنسان الذي يُمسك العلم بيده والرحمة في قلبه.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «العلمُ أفضلُ دليلٍ على الله، والجهلُ أكبرُ حجابٍ دونه».

فالعلم لا يُراد لزينة الحديث، ولا لمنافسة الآخرين، بل ليكون طريقاً إلى معرفة الله وإصلاح النفس والمجتمع.

وقال أيضاً (عليه السلام): «ثمرةُ العلم العمل، ومن لم يعمل بعلمه، زلَّ علمه عنه كما تزول الشمس عن الأرض».

العلم الحقيقي هو الذي يُطهّر القلب من الكِبر، ويزرع في الإنسان خشية الخالق.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28)

هذه الخشية ليست خوفاً من النار، بل هي وعيٌ بحضور الله في كل فكرةٍ ومعادلةٍ وقطرةِ حبر.

من هنا كانت العلوم في ميزان الإسلام عبادة، فكل علمٍ يُقرّب إلى الله، ويخدم عباده، فهو علمٌ مبارك، وكل علمٍ يُبعد الإنسان عن ربه، فهو جهلٌ وإن ازدحم بالمعارف.

في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، كان العلم مشكاةً للهداية، لا وسيلةً للجدل أو الجاه.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا أردتَ علمَ ما عند الله، فانظر ما يعمل بك في علمك، فإن كان خيراً فلك، وإن كان شرّاً فعليك».

أي أنّ قيمة العلم تُقاس بثمرته في السلوك، لا بكثرته في الكتب.

ومن هنا قال الإمام الباقر (عليه السلام): «العالمُ من عمل بعلمه، ووافق قوله فعله».

العلم وحده لا يُصلح الأمم، بل يُصلحها العلم الممزوج بالأخلاق، والوعي الذي يُنقذ لا الذي يُدمّر.

لقد رأينا في تاريخ البشرية كيف تحوّل العلم بيدٍ طاغية إلى سلاحٍ يقتل الأبرياء، ورأيناه بيدٍ مؤمنةٍ رحيمةٍ يصبح دواءً يُنقذ الأرواح.

فالمشكلة ليست في العلم، بل في القلب الذي يحمله.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهّل الله له طريقاً إلى الجنة».

لكنّ هذا الطريق لا يُفتح إلا لمن جعل العلم وسيلةً إلى الله، لا إلى الدنيا.

فكم من متعلمٍ لم يزده علمه إلا ضلالاً، وكم من جاهلٍ أضاء الله قلبه بالإخلاص فصار حكيماً.

العلم الحقيقي هو الذي يجعل الإنسان أكثر تواضعاً، أكثر حبّاً للناس، أكثر إحساساً بآلامهم.

به تُبنى الحضارات وتُهذّب الأخلاق، وبه تُسقى القلوب من نبعٍ صافٍ يرويها من يقين وإيمان.

أيها الإخوة،

لن يُكتب لأمةٍ أن تنهض بعلمٍ لا أخلاق له، ولن تسقط أمةٌ إذا تمسكت بعلمٍ يُوجّهها إلى الله.

فالمختبر الذي لا يُراعي الضمير، يُنتج موتاً لا حياة، والعالم الذي لا يخشى الله، يُفسد بعلمه أكثر مما يُصلح.

إنّ إصلاح واقعنا الأخلاقي يبدأ من العقل الذي يتعلّم، والقلب الذي يتّقي، واليد التي تعمل بإخلاص.

قال الإمام علي (عليه السلام): «العلمُ يهتفُ بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل».

فلنُعيد إلى العلم روحه، ولنجعل من أقلامنا مصابيح هداية، لا سيوفاً تُفرّق وتُدمّر.

ولنزرع في قلوب أبنائنا أن العلم ليس غايةً بحد ذاته، بل هو طريقٌ إلى معرفة الله، وإعمار الأرض بالخير، فما أجمل أن يكون العلم عبادة، والعمل رسالة، والأخلاق ثمرةً لهما معاً ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: 114)، لكننا نقول أيضاً: رَبِّ زِدْنِي خُلُقاً، وزِدْنِي نوراً، وزِدْنِي خشيةً منك يا أرحم الراحمين.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى