مقالات
أخر الأخبار

بعد قصف إيران.. هل زوال الكيان بات قريباً؟

كتب علي لفتة سعيد: منذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، وحتى قبلها حين بدأ التخطيط، لم يعرف العالم، ولا منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، طعم الاستقرار الحقيقي.

 

فقد شكل هذا الكيان محوراً للتوترات والحروب، سواء العسكرية أو الفكرية، وأسهم في إعادة تشكيل وعي الشعوب وقناعاتها ومواقفها، عبر مشاريع زعزعة الاستقرار وتفتيت الأولويات، حتى باتت شعوب المنطقة تائهة بين أحلام التحرّر من الاستعمار والوقوع تحت هيمنة قوى كبرى، تديرها أنظمة استبدادية أو تابعة، تعمل على قمع الداخل وصرف الانتباه عن الاحتلال.

ولهذا وجد الكيان نفسه في حالة تغوّلٍ عظمى، بعد تراجعِ مستوى المواجهة والتخطيطات التي تبنّاها كثيرٌ ممّن كانوا يطلقون على أنفسهم “زعماء”، ومجيء بدلاء عنهم ممن يسمّون أنفسهم “رؤساء”، يريدون “العيش الكريم” لشعوبهم، فضلاً عن تمكّنه من تحويل القناعات الأوروبية والمواقف العالمية لصالحه، بزعم أنّه يحارب فصائل مسلّحة اتُّهِمت بالإرهاب، وأخذ يستغل معاداة الساميّة وقتل اليهود، حتى لكأنّ العالم، بما فيه كثير من الدول الإسلامية والعربية، صار يمدّ معه جسور علاقاتٍ ومصالحَ مشتركة، ولم يعد له صوتٌ في الوقوف إلى جانب القضية العربية، وغابت عبارة “القضية الفلسطينية” من قواميس الساسة العرب، وتحوّل الصراع من “عربي – صهيوني” إلى صراعٍ “عربي – عربي”، و”إسلامي – إسلامي”، مع تنامي الصراع المذهبي، وهو ما أدّى إلى إيجاد الثغرات التي تحوّلت إلى مواقع مكشوفة، يمكن للكيان أن ينفذ منها ويشنّ هجماته تحت يافطة القضاء على “الجذر اليهودي” ومحاربة “اللاساميّة”، حتى إنّ دولةً مثل ألمانيا، التي كانت قد قتلت اليهود، تناصر الكيان الصهيوني اليوم، وكأنّها تريد غسل ماضيها بالإعلان عن انحيازها التام لدولة الكيان.

لقد وجد الكيان نفسه وكأنّه ارتدى “فروة الأسد”، وهو في الحقيقة “كلبٌ” لم يجد من يصارعه في الغابة، وكان يجول فيها لترميم مكانته، ويقنع الآخرين بأن له الحق في الوجود وبناء الدولة.

ثمّ تحوّلت القناعة إلى أنّه صاحب الأرض، ولا حقّ للفلسطينيّ بإقامة دولة، وهو الأمر الذي جعله يتحوّل إلى “أخطبوطٍ حربي”، يشنّ حرباً هنا، وأخرى هناك، بدعمٍ واضح من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بل وحتّى من بعض الدول العربية والإسلامية، التي اكتفت بالأقوال والتنديدات، واستغلال القضية الفلسطينية لإعلان العداء الإعلامي، أكثر من ممارسة عداءٍ فعلي لا يتعدّى إطلاق طائرةٍ ورقيّة، لتقف بعدها متفرّجة على ما يجري من إبادةٍ جماعية بحق الشعب الفلسطيني، تحت حجّة أن الكيان لا يقاتل الشعب، بل “فصيلاً مسلّحاً” يريد إنهاء وجوده.

إنّ الكيان الصهيوني على استعدادٍ لضرب أيّة دولةٍ تتّخذ موقفاً ضدّه، وله من الأعذار الكثيرة ما يتيح له ذلك، منها، الحفاظ على “الأمن القومي”، أو مواجهة خطر “الإرهاب”، أو التصدّي لطموحات دولٍ تمتلك أسلحةً “تشكل خطراً على سلامته”، بل ويُقنع العالم أن وجوده بات في خطر.

إنّ الكيان، وهو يحارب على أكثر من جبهة، إنّما يعيش حالة تغوّلٍ فاقت كلَّ أشكال التغوّل في التاريخ الحديث، حتّى في الحربين العالميّتين الأولى والثانية، لم تصل الدول إلى هذا النوع من الانتشار العسكريّ العدوانيّ، دول وقوف دول معها، فما من مكانٍ على وجه الأرض، خصوصاً في الشرق الأوسط، إلّا ويقع تحت مرماه، من اليمن إلى العراق، ومن سوريا ولبنان، وأخيراً ضرب ايران بأكثر من 200 طائرة لأكثر من 100 موقع، واغتيال العملاء والقادة العسكريين، والكيان مستعدّ لشنّ حربٍ على أيّةِ دولة، إذا ما وجد أنّها تشكّل خطراً عليه أو على بنيته الداخلية.

وأمام هذا المشهد، يبرز سؤالٌ جوهري: هل هذا التغوّل مؤشّرٌ على ذروة القوّة التي تسبق الانهيار؟ وهل نحن أمام تحقُّقٍ للنبوءة القرآنيّة: “وَقَضَيْنَا إلى بَنِيٓ إِسْرَٰٓائِيلَ فِي ٱلْكِتَٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّا كَبِيرا”؟.

إنّ المتأمّل في تاريخ الكيانات العدوانيّة والاستعماريّة، يلحظ أنّ التمدُّد المفرط غالباً ما يكون آخر مراحل القوّة، قبل أن تبدأ هذه الكيانات في الانكماش والتفكّك، تحت ضغط التناقضات الداخليّة ورفض الشعوب، لذا بات الكيان عبئاً أخلاقيّاً حتى على بعض مناصريه، وبدأت حملات المقاطعة له تكتسب زخماً متزايداً، وصورته الإعلامية تتآكل، خصوصاً مع ازدياد الشهداء والضحايا والمجازر الموثَّقة.

والشعوب الحرّة، وإن صمتت أنظمتها، لم تنسَ فلسطين، ولم تهدأ ضمائرها، ولا يمكن لقوّةٍ، مهما بلغت من بطشٍ، أن تقفَ في وجه عدالةٍ تاريخية، تتجلّى يوماً بعد آخر في صمود الفلسطينيين، وفي تعاطفٍ عالمي متنامٍ، وفي انكشاف زيف الرواية الصهيونية.

فهل تكون هذه الذروة المفرطة في القوّة العسكرية والسياسية بدايةَ الانحدار؟ من المؤكَّد أنّ التاريخ لم يُنصف كياناً قام على الاغتصاب، واستمرّ بالقوّة، وتمادى في الطغيان، وإن لم يكن الزوال وشيكاً، فإنّه حتميّ، إذ لا يمكن لهذا التَغوُّل أن يدوم، خاصّةً حين تستعاد البوصلة، وتتوحّد الصفوف، وتعود القضية الفلسطينية إلى مركز الوعي العربي والإسلامي والعالميّ.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى