
كتبت سوسن الجزراوي: لا يخفى على المتابع للمشهد السياسي، أن دول الغرب (المتقدمة في كل المجالات)، وبعض الدول الآسيوية، تعتمد في نجاحها بشكل رئيس على آلية تنفيذ الخطط الموضوعة بدقة وعناية والتزام.
وبعيداً عن المقارنة، قريباً منها في الوقت ذاته، نجد أن الدول العربية بشكل عام ماعدا بعض الاستثناءات القليلة، (يميزها) التلكؤ إن صح التعبير، على الرغم من وفرة المصادر والرخاء الاقتصادي من جهة ووجود عقول مبدعة خلّاقة من جهة أخرى، إلا أن السبب الرئيس الذي يؤشر هذا الشيء، هو ضعف التخطيط أولاً والارتجال أحياناً في وضعه، إضافة إلى طريقة التنفيذ وعدم الالتزام بتفاصيله بدقة!.
وفي نظرة سريعة لهذه المقارنة، نكتشف أن الفارق بين من يتقدّم ومن يتأخّر لا يعتمد فقط على الموارد أو الذكاء حسب، بل في المنهج الذي تُدار به جدولة الحياة، فالفرق الجوهري بين الغرب والعرب اليوم، يكمن في التخطيط المحكم المدروس الواقعي والممزوج في الوقت نفسه، مع الطموح والتطلع لغد أفضل، وذلك الإدراك العالي الذي يحوّل الأفكار إلى مشاريع، والأحلام إلى حقيقة ملموسة.
فالعالم الغربي، لم يتقدّم بالصدفة أو بضربة حظ، ولم يبنِ مجده على تخبطات عشوائية، فكل خطوة عنده، خاضعة للدراسة والتمحيص والاختبار، وكل مشروع له أهداف وفوائد مادية وإنسانية وجداول زمنية ينفذ عندها بدقة قياسية، فالوقت رأس المال الذي لا ينضب، والعلم أساس لا غنى عنه، والانضباط سلوك حياتي ثابت.
لهذا نجد أن نظامهم المؤسساتي يعمل بعقلٍ جمعي متكامل بعيد كل البعد عن المصلحة الشخصية والمزاجيات الفردية، كما وتُدار الدولة كأنها منظومة واحدة تسير نحو غاية واضحة لا لبس فيها.
أما مشكلتنا في عالمنا العربي، فكثيراً ما نعتمد على الارتجال بدل التخطيط، أي أن ما نفعله يكون وليد لحظة مبعثرة الأفكار غير خاضعة لاستقرار ذهني، تحكمها في الأغلب الأعم النيات بدلاً عن الأنظمة، فالكثير من المشاريع تبدأ بالحماس وتنتهي بالإهمال والتلكؤ المتعمد، وخطط توضع على الورق لتُنسى في الأدراج.
نحن نفتقر إلى ثقافة المتابعة والتقييم، والتي تكون في العادة، خطوة مهمة جداً تواكب أي مشروع أو فكرة، ونميل إلى الشخصنة أكثر من نظام المؤسسة المتكامل، والنتيجة! فشل أو بناء محاط بنواقص، فعلى الرغم من أننا نملك الإمكانات، لكننا نفتقد الرؤية الواضحة.
وكما يقول عالم الكيمياء المصري أحمد زويل: الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل!، وعلى الرغم من قسوة هذه العبارة، لكني أجزم أنها صحيحة جداً جداً، فهم لا يستهينون بقدرات شعوبهم وينبهرون أمام أي منجز، ويستمرون بتنفيذ الخطط الموضوعة والسياسات المقرّة، وهذا بحد ذاته يمنحهم قدرة الاستمرارية والتقدم دون تلكؤ أو تراجع، بل إن هذا الاستمرار يجعلهم يكتشفون مكامن الضعف (إن وجد) ويعدّلون ويطورون، والدليل على هذا، أن الكثير من إنجازاتهم اليوم، هي مخططات قديمة تم وضعها باحترافية عالية وطُبّقت بكل أمانة.
في الوقت الذي نصارع بعضنا البعض بنزالات قاسية، ونحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نثبت لأنفسنا ولغيرنا أننا الأفضل، وأن من سبقنا عاث في الأرض فساداً، مستهينين بأفكار العباقرة من أبناء جلدتنا، متباهين بإبداعات الغرب وتطورهم وكأنهم أشخاص خارقون لامثيل لهم، منكلين بكل قرار لم يكن لدينا بصمة فيه، وهكذا نصل إلى نقطة الفشل، فلا (لعبة البريد) تنفع معنا ولا (العونة والفزعة) تجد مكانها بين صفوف صنّاع القرار، وفي النتيجة تتهاوى كل طموحات البلد وأحلامه، ويبقى الآخرون مختالون بمنجزاتهم.
وإزاء ما تقدم، نقف عند فكرة جوهرية، وهي أن الغرب لم يكن يوماً أفضل منّا بشيء، لكنه أجاد استخدام وقته وعقله، ولم يخضعهما لمزاجية ورؤى ضبابية مشوشة، بينما نحن ما زلنا نعيش على أمجاد الماضي ونتحسّر على ما كان، ونبكي على الحضارة، والحقيقة الواضحة هي أن الأمم لن تواكب التطور ما لم تؤمن بأن التخطيط ليس رفاهية وزينة وجداول توضع لأغراض التباهي، بل ضرورة وجودية.
فحين يتعلّم العرب أن يحوّلوا أفكارهم إلى خطط، وخططهم إلى عمل، وعملهم إلى إبهار ومنجز متكامل، عندها فقط سنبدأ الحديث عن نهضةٍ حقيقية، لا عن أحلام مؤجلة.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز



